الطويلة شعورهم ، رواد الآفاق ، وقطاع المسافات ، تارة بالعراق ، وتارة
بالحجاز ، وتارة بالشام ، وتارة باليمن ، فهؤلاء نقلة الحديث» .
وقال محمد بن
سلّام الجمحي : «قيل للمنصور : هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال : بقيت
خصلة أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ، يقول المستملي : من ذكرت رحمك الله
قال : فغدا عليه الندماء ، وأبناء الوزراء بالمحابر ، والدفاتر ، فقال : لستم بهم
، إنما هم الدّنسة ثيابهم ، المشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، برد الآفاق ، ونقلة
الحديث» .
بل إن المنصور
أوصى ابنه المهدي بتلقي الحديث ونقله ، ومجاورة أهله فقال : «يا بني لا تجلس مجلسا
إلا وعندك من أهل الحديث من يحدثك ، فإن الزهري قال : علم الحديث ذكر لا يحبه إلا
ذكران الرجال ، ولا يكرهه إلا مؤنثوهم ، وصدق أخو زهرة» .
والمهدي بن
المنصور روى الحديث ، وروي عنه.
وهارون الرشيد
طلب العلم ، واهتم به قبل الخلافة ، وبعدها ، قال القاضي الفاضل في بعض رسائله : «ما
أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد ، فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون
لسماع الموطأ على مالك رحمه الله ... ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن أيوب
إلى الإسكندرية ... ولا أعلم لهما ثالثا» .
والمأمون طلب
العلم من صغره ، وسمع الحديث من جماعة من الأئمة ، وكان أعلم خلفاء بني العباس ،
فصيحا ، فقيها ، بارعا في العربية ، وأيام الناس ، وعني بعلوم الأوائل ، وكانت
عنده حافظة قوية مستحضرة ، فقد قال
__________________