المفعول به المصاحب في الأصل حرف جر ؛ لأنه جواب له ، والجواب أبدا على حسب السؤال ، فقولك في جواب : لم ضربت زيدا؟ ضربته تأديبا ، أصله للتأديب إلا أنه أسقط اللام ونصب ، ولهذا تعاد إليه في مثل ابتغاء الثواب تصدقت له ؛ لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها.
وذهب الكوفيون إلى أنه ينتصب انتصاب المصادر وليس على إسقاط حرف الجر ولذلك لم يترجموا له استغناء بباب المصدر عنه ، وكأنه عندهم من قبيل المصدر المعنوي ، فإذا قلت : ضربت زيدا تأديبا فكأنك قلت : أدبته تأديبا ، وذهب الزجاج فيما نقل ابن عصفور عنه إلى أنه ينتصب بفعل مضمر من لفظه ، فالتقدير في جئت إكراما لك ، أكرمتك إكراما لك حذف الفعل وجعل المصدر عوضا من اللفظ به ، فلذلك لم يظهر.
ومتى فقد شرط من الشروط المتقدمة وجب جره باللام وامتنع النصب ، فمثال فقد المصدرية جئتك للماء وللعشب وللسمر ، ومثال فقد المشاركة البيتان السابقان ، وقد يجر بمن أو الباء ؛ لأنهما في معنى اللام نحو : (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الحشر : ٢١] ، (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، قيل : وقد يجر ب : (في) السببية نحو : «دخلت امرأة النار في هرة» (١) ، ولا يتعين الجر مع أن وأن وإن كانا غير مصدرين ؛ لأنهما يقدران بالمصدر ، وإن لم يتحد فيهما الفاعل أو الوقت ؛ لأن حرف الجر يحذف معهما كثيرا نحو : أزورك أن تحسن إلي أو أنك تحسن إلي.
ولا يتعين النصب أيضا عند استيفاء الشروط ، بل يجوز معه الجر ، ثم إن كان مجردا من اللام والإضافة فالنصب أكثر ، ويقل الجر كالأمثلة السابقة ، ويجوز ضربته لتأديب ، وذهب الجزولي إلى تعين نصبه ومنع جره ، قال الشلوبين : ولا سلف له في ذلك ، وإن كان معرفا باللام فالجر أكثر ، ويقل النصب كقوله :
٧٥٧ ـ لا أقعد الجبن عن الهيجاء
__________________
٧٥٧ ـ الرجز بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢١٧ ، ٢ / ١٢٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٩٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٩٨ ، وعمدة الحفاظ مادة (هيج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٧ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٠٣.
(١) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب خمس من الدواب فواسن يقتلن في الحرم (٣٣١٨) ، ومسلم ، كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (٢٦١٩).