هذا قول الجمهور ، وزعم بعض المتأخرين أن الفاء لا تحذف في غير الضرورة أصلا وأن الجواب في الآية فذوقوا العذاب ، والأصل فيقال لهم : ذوقوا ، فحذف القول وانتقلت الفاء للمقول وأن ما بينهما اعتراض.
(و) من أجل ذلك أيضا (لم يلها فعل) لأنها لما قدرت بمهما يكن وجعلوا لها جوابا تعذر إيلاؤها الفعل من حيث إن فعل الشرط لا يليه فعل إلا إن كان جوابا ، والفرض أن ما بعد الفاء جواب (وتفيد) أما (التفصيل فتكرر غالبا) نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) [البقرة : ٢٦].
قال ابن هشام في «المغني» : والتفصيل غالب أحوالها ، قال : وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر ، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم ، فالأول نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) [النساء : ١٧٥] الآية ، أي : وأما الذين كفروا فلهم كذا وكذا ، والثاني نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) [آل عمران : ٧] الآية ، أي : وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ، ويدل على ذلك : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] إلى آخره.
(و) تفيد (التوكيد) قال في «المغني» : وقل من ذكره ، قال : ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري فإنه قال : فائدة (أما) في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت : أما زيد فذاهب ، وكذلك قال سيبويه في تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، وهذا التفسير يدل بفائدتين : بيان كونه توكيدا ، وأنه في معنى الشرط انتهى.
(وتفصل) أما (من الفاء) بواحد من أربعة أمور : (إما بمبتدأ) كالآيات السابقة ، (أو خبر) نحو : أما في الدار فزيد ، (وقيل : الفصل به قليل) نقله في «المغني» عن الصفار ، (أو معمول لما بعدها) إما صريحا نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ، أو مفسرا نحو : أما زيدا فاضربه ، (قال سيبويه : أو) جملة (شرط) نحو : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقعة : ٨٨ ـ ٨٩] ، الآيات (لا بجملة تامة) لأن هذا التقديم إنما جاز للاضطرار ليحصل الفصل بين أما والفاء ، وذلك حاصل باسم واحد فبقي الزائد على أصله من المنع ؛ إذ الفاء لا يتقدم عليها ما بعدها ، قال أبو حيان : إلا إن كانت للدعاء نحو : أما زيدا رحمك الله فاضرب.
عمل ما بعد الفاء فيما قبلها