فتستحيل المرادفة ، ولأن في يكن ضميرا يعود على (مهما) ، وفي الجواب ضمير يعود على الشرط وذلك منتف في أما ، وقال بعض أصحابنا : لو كانت شرطا لكان ما بعدها متوقفا عليها ، وأنت تقول : أما علما فعالم فهو عالم ، ذكرته أو لم تذكره ، بخلاف إن قام زيد قام عمرو فقيام عمرو متوقف على قيام زيد ، وأجيب بأنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه كقوله :
١٣٢٦ ـ من يك ذا بتّ فهذا بتّي
ألا ترى أن بته موجود كان لغيره بت أم لم يكن.
(ومن ثم) أي : من هنا وهو كونها في معنى الشرط ، أي : من أجل ذلك (لزمت الفاء جوابها) فلم تحذف (دون ضرورة ، وكذا دون تقدير قول على الأصح) نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٦] ، لا جائز أن تكون الفاء للعطف ؛ لأن العاطفة لا تعطف الخبر على مبتدئه ، ولا زائدة ؛ إذ لا يصح الاستغناء عنها ، فتعين أنها فاء الجزاء ، وقال أبو حيان : هذه الفاء جاءت في اللفظ خارجة عن قياسها ؛ لأنها لم تجىء رابطة بين جملتين ولا عاطفة مفردا على مثله ، والتعليل بكون أما في معنى الشرط ليس بجيد ؛ لأن جواب مهما يكن من شيء لا تلزم فيه الفاء إذا كان صالحا لأداة الشرط ، والفاء لازمة بعد أما ، كان ما دخلت عليه صالحا لها أم لم يكن ، ألا ترى أنه يقال : مهما يكن من شيء لم أبال به ، ويمتنع ذلك في (أما) ، ويجب ذكر الفاء فدل على أن لزوم الفاء ليس لأجل ذلك انتهى.
وقد تحذف الفاء في الضرورة كقوله :
١٣٢٧ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم
ويجوز حذفها في سعة الكلام إذا كان هناك قول محذوف كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] ، الأصل : فيقال لهم : أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف ، ورب شيء يصحّ تبعا ولا يصح استقلالا ،
__________________
١٣٢٦ ـ الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٩ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١١٢٦.
١٣٢٧ ـ البيت من الطويل ، وهو للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص ٤٥ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٢ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٦ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٥٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٣٤ ، والجنى الداني ص ٥٢٤ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٦٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٧ ، وشرح شواهد المغني ص ١٧٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ١٢٢.