الهمزة ؛ لكثرة الاستعمال كما حذفت في قولهم : ويلمّه والأصل ويل أمه ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ألف (لا) ونون (أن) فصارت (لن) ، والحامل لهما على ذلك قربها في اللفظ من (لا أن) ووجود معنى (لا) و (أن) فيها وهو النفي والتخليص للاستقبال.
وقال الفراء : هي لا النافية أبدل من ألفها نون ، وحمله على ذلك اتفاقهما في النفي ونفي المستقبل وجعل (لا) أصلا ؛ لأنها أقعد في النفي من (لن) ؛ لأن (لن) لا تنفي إلا المضارع ، وقد ذكرت رد القولين في حاشية «المغني».
وتنصب (لن) المستقبل ، أي : إنها تخلص المضارع إلى الاستقبال وتفيد نفيه ، ثم مذهب سيبويه والجمهور أنها تنفيه من غير أن يشترط أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا ، وذهب الزمخشري في «مفصله» إلى أن (لن) لتأكيد ما تعطيه (لا) من نفي المستقبل ، قال : تقول : لا أبرح اليوم مكاني ، فإذا أكدت وشددت قلت : لن أبرح اليوم ، قال تعالى : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الكهف : ٦٠] ، وقال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) [يوسف : ٨٠] ، وذهب الزمخشري في «أنموذجه» إلى أنها تفيد تأبيد النفي ، قال : فقولك : لن أفعله كقولك : لا أفعله أبدا ، ومنه قوله تعالى : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣] ، قال ابن مالك : وحمله على ذلك اعتقاده في (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] أن الله لا يرى وهو باطل ، ورده غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦] ، ولم يصح التوقيت في قوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١] ، ولكان ذكر (الأبد) في قوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة : ٩٥] تكرارا ؛ إذ الأصل عدمه ، وبأن استفادة التأبيد في آية : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) [الحج : ٧٣] من خارج ، وقد وافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] : لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة ، لكن ثبت في الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه (١) ، ووافقه على إفادة التأكيد جماعة منهم ابن الخباز ، بل قال بعضهم : إن منعه مكابرة فلذا اخترته دون التأبيد.
وأغرب عبد الواحد الزملكاني فقال في كتابه «التبيان في المعاني والبيان» : إن (لن) لنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها ، قال : وسر ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعاني ،
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، باب قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (٤٥٨١) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية (١٨٣).