والتمييز باب ضعيف ؛ لكونه في خامس رتبة من الفعل ؛ لأن النصب فيه على التشبيه ب : (أفعل من) و (أفعل من) مشبه بالصفة المشبهة وهي مشبهة باسم الفاعل وهو بالفعل فلا يحسن إلا عند تعذر الإضافة وإذا كان المقدار مخلطا من جنسين فقال الفراء : لا يجوز عطف أحدهما على الآخر ، بل تقول : عندي رطل سمنا عسلا إذا أردت أن عندك من السمن والعسل مقدار رطل ؛ لأن تفسير الرطل ليس للسمن وحده ولا للعسل وحده ، وإنما هو مجموعهما فجعل سمنا عسلا اسما للمجموع على حد قولهم : هذا حلو حامض.
وذهب غيره إلى أن العطف بالواو ؛ لأن الواو الجامعة تصير ما قبلها وما بعدها بمنزلة شيء واحد ، ألا ترى أنك تقول : هذان زيد وعمرو فصيرت الواو الجامعة زيدا وعمرا خبرا عن (هذان) ، ولا يمكن أن يكون زيد على انفراده خبرا ولا عمرو على انفراده ، وكذلك زيد وعمرو قائمان.
وقال بعض المغاربة : الأمران سائغان العطف وتركه ، ويجوز إظهار (من) مع كل تمييز ذكر في هذا الفصل أو غيره نحو : ملء الأرض من ذهب ، وإردب من قمح ، ولي أمثالها من إبل ، وغيرها من شاء ، وويحه من رجل ، ولله دره من فارس ، وحسبك من رجل ، و (ما أنت من جارة) قال :
٩٧١ ـ يا سيدا ما أنت من سيّد
وقال :
٩٧٢ ـ فيا لك من ليل
ويستثنى العدد فلا يقال : عشرون من درهم ، ما لم يخرج عن التمييز بالتعريف نحو : عشرون من الدراهم ، وأفعل التفضيل فلا يقال في زيد أكثر مالا : من مال ، ونعم فلا يقال في نعم زيد رجلا : نعم زيد من رجل ، والمنقول عن فاعل ومفعول وهما من تمييز الجملة ، فلا يقال : طاب زيد من نفس ، ولا فجرت الأرض من عيون.
و (من) المذكورة فيها قولان : أحدهما أنها للتبعيض وصححه ابن عصفور ، والثاني أنها زائدة قال في «الارتشاف» : ويؤيده العطف على موضعها نصبا في قوله :
__________________
٩٧١ ـ تقدم الشاهد برقم (٦٧٣).
٩٧٢ ـ ذكر في نسخة العلمية ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٩ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٧٦١.