الوفاة مزدوجة ، فمن جهة كنت أريد إكمال التفسير ، ومن جهة لا أستطيع التسرعّ فيه تطبيقا لتلك الوصية ، وبالذات لانّ منهجي كان قائما على التدبّر المباشر في آيات الذكر قبل مراجعة التفاسير ثم البحث عن صلتها بالواقع ، ممّا يستدعي صفاء الذهن وفراغ البال ، ممّا كان يتناقض وظروفي العامة .. فاتجهت نيّتي نحو إلقاء المحاضرات في التفسير في محاولة لاستباق الأجل ، وربما كنت في اليوم الواحد ألقي ثلاثة دروس ليقوم الاخوة بإعادة صياغتها وإعدادها للطبع.
وقد كنت يومئذ ألقي محاضرات في التفسير كلّ يوم تقريبا في القسم العربي من إذاعة الجمهورية الاسلامية في إيران ، وفكّرت في نفسي أنّني سوف أحقّق هدفين برمية واحدة : إنشاء مكتبة صوتية في كامل تفسير القرآن ، والتسريع في تكميل مشروع التفسير ، وقد حقّقنا بحول الله وقوّته الهدف الاول ، حيث استقرّت محاضرات التفسير في خمسمائة شريط كاسيت ، ولكنّ الهدف الثاني لم يتحقّق بتلك الصورة التي حلمت بها .. وكان لذلك قصة أخرى.
(٢)
منذ بداية توجّهي إلى التفسير لاحظت فراغا فيه من بعدين هامّين :
الاوّل : اتّساع الفجوة بين التفاسير المكتوبة وبين الواقع المعاش للأمّة ، حيث كان هدف أغلب المفسرين إلّا نادرا توضيح كلمات القرآن ، وليس تطبيقها على حقائق الزمان ، ولذلك لم يهتمّوا أكثر بتأويل القرآن وتنوير الواقع بضيائه ، بينما الهدف الأسمى للآيات إنما هو تذكير الإنسان بالله واليوم الاخر ثم تبصيره نفسه وواقعه ليعيش بصورة أنبل وأفضل ، ولعلّ الظروف السياسيّة لاغلب المفسرين وانغلاق بيئتهم الاجتماعية كانت تمنعهم من ذلك.
وقد حاولت أن أعالج الفراغ بقدر محدود من خلال التفسير والمحاضرات.