كهربائيّة في كياني .. وبدأت أتساءل : إذا كانت مطيّة الإنسان إلى العالم الاخر جاهزة أبدا ، وقد تحمله إليه في أيّة لحظة ودون سابق إنذار في رحلة أبديّة لا رجعة فيها ، فلما ذا الغفلة؟ (١) وإذا كانت زوجتي التي كانت تقاربني سنّا ، ولم تكن تشكو من مرض سابق تموت بهذه الطريقة الغريبة ، فلما ذا لا أفترض ذلك لنفسي؟
وأثّر ذلك بصورة مباشرة في شحذ عزيمتي لانهاء التفسير .. قبل أن يفاجئني الموت.
في ذلك التاريخ كنت قد بلغت الجزء وقد قرّرت حين بدأت به أن أكتب كلّ يوم عدّة صفحات من التفسير دون أن أخطّط لانهائه ، وأساسا لم أكن أحلم ـ يوم شرعت فيه ـ بأنّي قادر على إنهائه ، بسبب ظروفي التي حفلت بالعديد من المسؤوليات المتنوّعة.
عند بداية التفسير كنت في الكويت ، وكما ذكرت في مقدّمة الجزء الاول كنت أستريح إلى بيت من بيوت الرحمن في منطقة (بنيد القار) لبعض الوقت ، وأحاول أن أختفي خلالها من المراجعات الروتينية حتى أتفرّغ للكتابة ، وربما كنت أسبّب بعض الضيق لاخواني الذين لم يعرفوا السبب ، وفعلا كنت أحرج عند ما يسألني بعضهم عن ذلك ، ولكن ذلك كان الوسيلة الوحيدة للاستمرار في التفسير.
ويشهد الله أنّها كانت ساعات شيّقة تلك التي أجدني تلميذا صغيرا في مدرسة القرآن العظيم ، وكنت أسعى لاستنطاق كلّ آية ، وكلّ كلمة من آية ، وربما كلّ حرف في آياته الوضيئة ، ثم أسجّل بعض ما يمكن تسجيله .. بينما أكثر ما في القرآن كان أسمى من التسجيل ، وهل كلمات مثلي قادرة على الاحاطة برفرفة الروح ، وتموّج النور ، وانسياب الجمال الالهي من خلال آيات الذكر الحكيم.
كانت وصية أحد الكتّاب الكبار نصب عيني عند ما أستمرّ في الكتابة ، حيث أوصى بالتوقّف عنها عند الاحساس بالتعب ، ولذلك أصبحت مشكلتي بعد صدمة
__________________
(١) راجع الهامش في صفحة ٤٨٨