فيها وتكونت من امتزاجها الخلائق؟ وقال آخرون : بل ان إبليس (أو الظلمة) قفزت الى النور (أي الله في ظنّهم) فأراد النور التخلص منها ، فكان كمن دخل الوحل كلما أراد الخروج منها ارتطم فيها أكثر ، فكانت الكائنات من تداخلهما.
وتطورت هذه الفلسفة عند البعض فقالوا : إن الخالق تنزل من عرشه فأصبح المخلوقات ، وقال بعضهم : ان الله سبحانه فاض بوجوده فكانت الكائنات وهكذا رققوا العبارات ولكنهم لم يغيروا من جوهر النظرية شيئا.
ان كل هذه الفلسفات قائمة على أساس التولد ، والتولد يقتضي تطورا في ذات الشيء وهو يتنافى وتعاليه سبحانه.
ولا فرق إذا ان تكون الولادة كثيفة كما الثمر من الشجر أم لطيفة كولادة الفكر من القلب ، أليس القلب يتطور حتى يفرز الفكر ، كما ينفعل الشجر حتى يخرج الثمر؟ كلا. ان الخالق سبحانه قد أنشأ الكائنات من دون كيفية ولا تعب ولا معالجة ولا تفاعلات في ذاته أو تطورات سبحانه ، وحين ينتفي التولد منه ينتفي تولده من غيره ، لان ما لا ينقص لا يزيد ، أو قل : لا يحتاج الى زيادة.
ونفي الولادة بكل جوانبها ومعانيها يضع المخلوق في موقع العبودية المطلقة وينفي اضفاء اي نوع من القداسة الذاتية على اي شيء أو شخص من خلق الله إلّا قيم الوحي الناشئة من دين الله ، وهكذا يتساوى الخلق امام الخالق ، وأمام دين الخالق ، ولا يجوز لأحد ان يتعالى على غيره بزعم أنه أقرب الى القدوس ذاتيا ، وتبطل كل المذاهب العنصرية الظاهرة منها والخفية.
(٤) وإذا اهتدينا إلى أن الله صمد لا جزء له ، ولا تطور ، ولا ولادة ، فقد ارتفع الحجاب الأكبر الذي بيننا وبين الله ، حجاب التشبيه الذي ينشأ من جهل الإنسان