(وَالضُّحى)
(٢) وما يلبث النهار ينقضي ، وخلايا جسد الإنسان تتلف ، وأعصابه تتعب ، ويحتاج الى راحة وسبات فيأتي الليل بظلامه الشامل ، وسكونه الوديع.
(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)
قالوا : سجي : يعني سكن ، وليلة ساجية : أي ساكنة ، والبحر إذا سجي : اي سكن وأنشدوا :
فما ذنبنا ان جاش بحر ابن عمّكم |
|
وبحرك ساج لا يواري الدّعا مصا |
(٣) وكما جسد الإنسان بحاجة الى سبات الليل ، فان روحه عطشى إلى الوحي ، أو ليس للنفوس إقبال وادبارّ ، وكما أن الليل لا يدل على نهاية النور ، كذلك تأخر الوحي لا يعكس انتهاءه ، بل كان الوحي يتنزل حسب الحاجة ، ولم يهبط جملة واحدة ليكون أثبت لافئدة النبي والمؤمنين ، وقال سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (١).
هكذا تأخر الوحي قليلا عن الرسول ـ صلّى الله عليه واله ـ ليعرف الجميع أنه ليس بشعر منه ، ولا باكتتاب لصحف الأولين ، ولا بإبداع من ذاته ، وإنما هو الوحي الذي يتنزل بأمر الله متى شاء وكيفما شاء ، ولكي تنتشر أراجيف قريش وتتراكم كما انتشرت حبال سحرة فرعون فخيّل الى الناس بأنها سحر عظيم ، هنالك أمر الله موسى ـ عليه السلام ـ بأن يلقي عصاه تلقف ما أفكوا. فكانت أشد وطأة ، وأبعد أثرا ، كذلك الوحي حينما عاد الى هضاب مكة كما الضحى يأتي بعد ليل ساج فتتلاشى ظلام الاشاعات من أرجاء البيت الحرام ، وتتبدد شكوك ضعاف المسلمين ، ويبدأ نهار الرسالة نشيطا مندفعا.
__________________
(١) الفرقان / ٣٢.