وحينئذ يواجه مصيره لوحده ، ويقدم على الله فردا لا مال ولا أولاد ولا معين. وإذ يذكر القرآن الإنسان بمسؤوليته الفردية فلكي يفصله عن المؤثّرات السلبية المادية والاجتماعية التي تمنعه من الإنفاق والاستجابة لدعوة الله .. ولماذا يبخل الإنسان بماله على ربّه الذي رزقه إيّاه وهو منتقل عنه لا محالة بالموت؟!
(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)
إنّه حينئذ لا يطلب من الله التأخير لألف سنة ، إنّما يريد أجلا قريبا كاللحظة لينقذ نفسه من الحسرة والعذاب ، وهذا يدل فيما يدل على أن باستطاعة الإنسان أن يتغير جذريّا بقرار واحد وخلال لحظة ، فينتقل نفسه من جبهة الى أخرى ، ومن مصير إلى مصير. ونهتدي من الآية الكريمة إلى أنّ الصدقة (والإنفاق) معراج المؤمن إلى الصالحات والصالحين ، وهنا نجد إيحاء لقول الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١).
[١١] وكما يكشف الوحي للإنسان واقعه المستقبلي وهو يعالج سكرات الموت ، يؤكّد له أنّ الدنيا هي الفرصة الوحيدة ، وأنّ الموت هو نهايتها.
(وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها)
وهذه حقيقة حاسمة لو تفكّر فيها البشر لاهتدوا إلى الحق حيث الانصياع لأوامر الله ، وإنّ عدم استجابة الله لتمنّيات الإنسان بالتأخير تنطوي على حكمة هامة ، فلو كان يستجيب لكان الناس يستبدلون السعي بالمعنى ، والعمل بالتسويف. كيف والله يعلم بأنّهم لو ردوا لعادوا لما كانوا عليه من الأعمال؟!
__________________
(١) التوبة / ١٠٣