«إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (١) فهم يقدسون التراث إلى حدّ العبادة ، ونجد صورة لهذا الفريق في الذائبين في السلف وأفكارهم ، يرحبون بحسناتهم وسيئاتهم على السواء ، ولا يقبلون أدنى انتقاد لسلوكهم وأفكارهم ومواقفهم ، ويعدّون الشخص ذا فضل وعظمة لمجرد كونه من الأولين ، الذين أدركوا الرسول والخلفاء ، أو عاشوا في صدر الإسلام.
٣ ـ اما الفريق الثالث فهم الذين يقيّمون السابقين بواقعية ، ويعرضون أفكارهم وموافقهم على موازين الشرع (القرآن والسنة والسيرة) فما وافقها احترموه وتأسّوا به ، وما خالفها ضربوا به عرض الحائط ، وهم الذين تشير إليهم هذه الآية الكريمة. كيف؟
انهم ـ حسب الآية ـ يعترفون بأخطاء السابقين ، ويتبعون القيم بإخلاص وشجاعة ، سواء وافقت حياة أولئك أم خالفتها ، ولكن النقد والانتقاد لا يسقطهم في أعينهم ، بل يظلمون أصحاب الفضل عليهم ، الذين يكنّون لهم الود والاحترام.
وفي الوقت الذي يعترفون بأخطاء السلف ، ولا يتابعونهم فيها ، يسعون بكلّ ما أوتوا (بالدعاء والعمل) لإصلاح أخطائهم في الواقع الخارجي ، ويستغفرون لهم عند الله ، وانه سبحانه ليستجيب دعاء الأخ لأخيه ، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال : «أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب ، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به : آمّين ولك مثلاه» (٢).
وقد ظهرت بدعة جديدة في عصرنا الحاضر تتخذ من السلف الصالح شعارا لتأسيس حزب سياسي معين .. إن هؤلاء يرفضون أي تطوير في مناهج الدّين لأن
__________________
(١) الزخرف / ٢٣
(٢) بح / ج ٧٦ ص ٦٠ وللمزيد راجع ميزان الحكمة / ج ٣ ص ٢٨٠ الباب (١٢١٠)