الكبير في تحضّر الشعوب) ذلك المجتمع الذي تحكمه رسالة الله (الكتاب) ، وهذه هي معالم الحضارة الأساسية.
[٧ ـ ٨] ومن الغلط أن يعتمد الإنسان على نعم الله ، ويسخّرها دون أن يحسب حسابا للعذاب فيضلّ أو يتعاطاها بعيدا عن بصيرة الايمان ، إنّما ينبغي أن يكون من العقلاء ، «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ» ، وهكذا من التعرّف على هدفية كلّ شيء حوله يهتدي إلى هدفه في الحياة فيسعى له ، ومن الشهود الذي يراه ويتحسسه ينفذ ببصيرته إلى الإيمان بالغيب .. ومن هنا تكون العلاقة واضحة ووثيقة بين ما تقدّم من الآيات وهذا التأكيد على العذاب.
(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ)
ويبدو أنّ المقصود بالعذاب هو المعنى الشامل كما في الدنيا وما في الآخرة يدل عليه قوله في آخر هذه السورة : «وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ذلك أنّ عذاب الدنيا نفحة من عذاب الآخرة ، ودليل عليه ، ونذير ملموس من نذره.
والوقوع هنا ليس بمعنى الحدوث ، بل بمعنى التحقّق والواقعية ، فكما أنّ الجبال والكتب والبيت والسماء والبحار كلّها حقائق لا يشك الإنسان في وجودها ، فإنّ عذاب الله هو الآخر واقع حق ، يراه المخلصون باليقين وبالآيات والإشارات الدالّة عليه في الدنيا ، فيعملون على تجنّبه ، ويقيهم الله منه «وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» (١) ، بينما يعمى عنه الآخرون ، فيتخذون الحياة خوضا ولعبا ، فيقعون في
__________________
(١) الطور / (١٨).