إِذا جَلَّاها* وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها* وَالسَّماءِ وَما بَناها* وَالْأَرْضِ وَما طَحاها* وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» (١) وقال : «وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» (٢) ففي المثال الأوّل يربط القرآن بين الليل حين يلفّ الدنيا بظلامه ، والنهار عند ما يظهر ظهورا تامّا بأنواره ، وما بينهما من اختلاف نجده بصورة أخرى عند الذكر والأنثى ، وبين اختلاف السعي والمذاهب عند الناس .. وفي المثال الثاني يربط بين عظمة الشمس والقمر ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والنفس وطبيعتها ، وبين فلاح من يزكّيها وخيبة الذي يغمسها في رواسب الذنوب والانحراف .. وفي المثال الثالث نجد ربطا بين الضحى بإشراقه الذي هو وقت الحركة والنشاط ، والليل الذي هو وقت الراحة والسبات ، وبين الحقائق التالية : أنّ الوحي لم ينقطع عن النبي ، وأنّ الآخرة أفضل من الدنيا ، وأنّ عطاء الله يعوّض للإنسان متاعبه وتضحياته وأكثر من ذلك حتى يرضى به.
وعند التدقيق في الأمثلة المتقدمة نجد أنّ المقسم به يمثّل الشهود (الجانب الظاهر من الحقائق) بينما المقسم عليه يمثّل الغيب (الحقائق الخافية أو المعنوية) ، والصلة بين الاثنين قائمة في عالم التحقيق ، ولكنّنا ربما جهلناها أو غفلنا عنها ، فتأتي الآيات لتوضّحها وتذكّرنا بها ، وهذا ما نجده في سائر آيات القرآن.
٢ ـ وفي القسم القرآني علاج لغرور البشر ، ليخرج من كبره وقوقعة ذاته الى رحاب الحقائق ، ذلك أنّ القسم ينطوي على تذكيره بما حوله من مخلوقات عظيمة ، كالبحار التي هي أعمق منه ، والسماء التي هي أوسع منه ، والجبال التي هي
__________________
(١) الشمس / (١ ـ ٤).
(٢) الضحى / (١ ـ ٥).