في هذه البحبوحة من النعم؟!! ولك أن تدرك مدى ضلال أولئك الذين أنكروا على الله أظهر أسمائه إذ «قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ»؟!! وأنا وأنت قد لا نقول ذلك ، ولا نكذّب بآلاء الله بألسنتنا ، ولكنّنا كثيرا ما نكذّب بها بأعمالنا وسلوكنا ، وبغفلتنا عن الشكر.
الخليقة كلّها تجلّيات لرحمة الله ، فهي وجهه «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ» (١) ، ولكنّ الإنسان حينما يضل ليس فقط لا يهتدي بالآثار إلى معرفة رحمة ربّه وشكره ، بل ويتخذ النعم مطيّة للمزيد من التكذيب ، فإذا أصبح غنيّا ووجب عليه الشكر تراه يبطر معيشته ، ويزداد ترفا وفسادا في الأرض ، أو حين يمنّ عليه بالملك تراه يستعلي على الناس ويطغى ويستبد ، ولعلّنا نجد إشارة إلى ذلك عند قوله (فَبِأَيِّ آلاءِ) إذا اعتبرنا الباء سببية.
إنّ الحياة وهي وجه الله بكلّ مفرداتها السلبية والإيجابية تدعونا إلى الإيمان بالله ، والتصديق بآياته ، والتسليم بالطاعة لأوامره ، فما هو تبريرنا ونحن نكذّب بآلائه؟! لماذا ندخل في سجن ذواتنا أكثر فأكثر عند كلّ نعمة ، بدل أن ننطلق منها إلى آفاق الإيمان بربّنا وربّها عزّ وجل؟! إنّنا عوض ذلك يجب أن نقول كلّما تذكّرنا النعمة ، وكلّما انتفعنا بها ، بل وكلّما قرأنا آية تذكّرنا بآلاء ربّنا ، ومن بينها وأهمّها الآية الكريمة «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» ، يجب أن نقول : لا بشيء من آلائك ربّنا نكذّب ، وذلك زيادة في الهدى والشكر والفضل من الله ، ولا ريب أن هدف الإمام الصادق (ع) من هذه العبارة ليس مجرّد الكلام ، فالأهمّ من تصديق اللسان بالنعمة هو تصديق القلب والجوارح ، فالذي يصدّق بآلاء الله هو الذي يؤدّي واجب الشكر له عزّ وجلّ ، «ولا يعرف النعمة إلّا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلّا
__________________
(١) النحل / ١٦ ـ ١٨