الثالثة : لو أنّ المشركين أشعلوا فتيل الحرب مع المسلمين ببطن مكة لانتصر المسلمون عليهم بإذن الله ، وهذه سنّة إلهية سابقة ودائمة لا يمكن أن تتبدّل ، ولكنّ عدم حدوث الحرب ليس في صالح المشركين وحسب ، باعتبارهم كانوا يهزمون لو بدأوها ، وإنّما هي في صالح المسلمين أيضا.
الرابعة : لو أنّ الحرب وقعت بين المشركين والمسلمين يومذاك ربما لم يكونوا يستطيعون النفاذ الى قلوب المشركين وبذلك القدر من الأثر العميق ، بل ربما ازداد المشركون تعنّتا ورفضا ، وبالذات كانت لدى قريش ومن لفّ لفها مشكلة نفسية ، تتمثّل في الحميّة الجاهلية التي أوغرت قلوبهم ضد المسلمين ، فلو كان المسلمون يدخلون في نفق العصبية ، فبدل أن يقيّموا الأحداث والواقع تقييما موضوعيّا يأخذ بعين الاعتبار المصلحة الرسالية ، يتّبعون ردّات الفعل والعواطف المستثارة ، ويصرّون على عدم الرجوع بدون الطواف حول الكعبة والنحر وتقديم الهدي و.. و.. ، كما أراد ذلك قسم من المسلمين ، لتساووا في العصبية مع كفّار قريش ومشركيها.
ومن هذه الفكرة نستفيد عبرة هامة ، وهي ضرورة أن يدرس المؤمنون القضايا والمواقف المختلفة دراسة رسالية ، نابعة من نهج موضوعي ، هدفه مصالح الإسلام ، وليس إرضاء نزواتهم وعواطفهم.
ثم إنّ القرآن يسوق الحديث عن الرسول (ص) والذين حوله من المؤمنين ، وكيف أنّ شخصيتهم الايمانيّة ذات بعدين ، فظاهرها العذاب والحدّة على أعداء الله ، وباطنها الرحمة واللّطف برفاق المسيرة الواحدة ، وفي الضمن ينبّهنا إلى فكرة هامة ، وهي أنّ أصحاب الرسول ليسوا مبرّأون من الأخطاء ، وليسوا حجج الله على الناس ، وإنّما الرسول وحده الحجة أو من نصّبه الله لذلك. وكيف يكون حجة