ومن ماضي البشرية إلى حاضرها وإلى مستقبلها ، فتتسع آفاق معرفته ، وتغور في أعماق الغيب بصائر وعيه ، ويسمو في درجات اليقين عقله ، وتزكو بنور الايمان نفسه ، ويهديه الله الى نوره الأبهى ، قويا عزيزا كما أنّ ربّه قوي عزيز ، ويصبح حكيما خبيرا كما أنّ ربّه حكيم خبير ، كلّ ذلك بمعرفة أسماء الله الحسنى.
وربما تدرّج المنهج القرآني بصورة عكسية ، فيبين ظاهرة في آفاق العالم أو أغوار النفس أو أبعاد التاريخ ، ثم يذكر اسما من أسمائه الحسنى ، ونهايات الآيات القرآنية مثل : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ... مفيدة جدا لو تدبّرنا فيها ، لأنّ الرب يذكّرنا بظاهرة ثم يربط بينها وبين اسم من أسمائه الحسنى ، فاذا وعيناه حقّ الوعي عرفنا تجلّياته في سائر الظواهر أيضا.
وحيث ذكّر السياق في الآية الثانية أنّ هذا الكتاب منزل من الله ، والله هو العزيز الحكيم بيّن في الآية الثالثة بعض تجليات العزّة والحكمة ، فقال :
(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى)
لقد خلقها على عظمتها الهائلة فهو إذا قوي عزيز ، ولانّ بناءها كان قائما على أساس الحق فهو إذا حكيم.
ونستوحي من هذه الآية أنّ حكمة الله اقتضت محدودية الخليقة ، فلكلّ شيء يه أجل معدود ، وحد محدود ، هكذا يكون الزمان جزء من حقيقة الخليقة ، وربما انفتحت أمامنا آفاق واسعة لو تدبّرنا أكثر فأكثر في حرف الباء الذي يستخدم للاستعانة ، وتساءلنا : لماذا ذكره السياق فيما يتصل بالأجل كما ذكره عند الحديث عن الحق ، فهل يمكن أن نستنتج أنّ الحق والأجل هما ركيزتا الخلق ، على أن يكون الحق هو المعبّر عن النظام الحق الذي يسيّر الخليقة ، والأجل هو الجانب