عبدالصمد الجبعي ، في حلب ، سنة إحدى وخمسين وتسعمائة ، أضافني بعض فضلاء حلب ، وكان ذكيّاً بحّاثاً ، ولي معه خصوصية وصداقة وكيدة بحيث لا أتّقيه ، وكان أبوه من أعيانها.
فقلت له : إنه يقبح بمثلي ومثلك ـ بعد أن صرف كل منّا عمره في تحصيل العلوم الإسلاميّة وتحقيق مقدماتها ـ أن يقلِّد في مذهبه الذي يلقى الله به ، والتقليد مذموم بنصّ القرآن ، وليس حجَّةً منجية ; لأن كل أحد يقلِّد سلفه ، فلو كان حجَّةً كان الكل ناجين ، وليس كذلك.
فقال : هلمَّ حتى نبحث.
البحث في اتباع المذاهب الأربعة
فقلت : هل عندكم نصٌّ من القرآن ، أو من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على وجوب اتّباع أبي حنيفة؟
فقال : لا.
فقلت : هل أجمع أهل الإسلام على وجوب اتّباعه؟
فقال : لا.
فقلت : فما سوَّغ لك تقليده؟
فقال : إنّه مجتهد وأنا مقلِّد ، والمقلِّد فرضه أن يقلِّد مجتهداً من المجتهدين.
فقلت : فما تقول في جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام؟ هل كان مجتهداً من المجتهدين؟
فقال : هو فوق الاجتهاد ، وفوق الوصف في العلم والتقى والنسب وعظم الشأن ، وقد عدَّ بعض علمائنا من تلاميذه نحو أربعمائة رجل ، كلّهم علماء فضلاء مجتهدون ، وأبو حنيفة أحدهم.