(وقد تحصل) الغرابة (بتصرف فى) الاستعارة (العامّيّة كما فى قوله :
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا |
|
(وسالت بأعناق المطىّ الأباطح) (١) |
جمع : أبطح ؛ وهو مسيل الماء فيه ...
______________________________________________________
وجه الغرابة فى هذا الشبه. أن الانتقال إلى الاحتباء الذى هو المشبه به عند استحضار إلقاء العنان على القربوس للفرس فى غاية الندور ؛ لأن أحدهما من وادى القعود والآخر من وادى الركوب مع ما فى الوجه من دقة التركيب وكثرة الاعتبارات الموجبة لغرابة إدراك وجه الشبه وبعده عن الأذهان (قوله : وقد تحصل .. إلخ) عطف على قوله سابقا : قد تكون أى. أن الغرابة قد تكون فى نفس التشبيه وقد تحصل .. إلخ (قوله : بتصرف .. إلخ) أى : وذلك التصرف هو أن يضم إلى تلك الاستعارة تجوّز آخر لطيف اقتضاه الحال وصححته المناسبة (قوله : كما فى قوله) أى : قول الشاعر وهو كثيرّ عزّة ، وهذا البيت من قصيدة من الطويل ، وقبله :
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة |
|
ومسّح بالأركان من هو ماسح |
وشدّت على دهم المهارى رحالنا |
|
ولم ينظر الغادى الذى هو رائح |
أخذنا ... البيت |
(قوله : كل حاجة) أى : من رمى الجمار وغيره ، والدهم : جمع دهماء وهى السوداء ، والمهارى [بفتح الراء وكسرها] جمع مهرية وهى الناقة المنسوبة إلى مهرة بن حيدان [بكسر الحاء وفتحها] بطن من قضاعة هذا معناه فى الأصل ، ثم صارت المهرية تطلق على كل نجيبة من الإبل ، وينظر بمعنى ينتظر ، والغادى هو السائر من الصباح للظهر والرائح هو السائر من الظهر للغروب (وقوله : أخذنا بأطراف .. إلخ) أى : شرعنا فى أطراف .. إلخ ، وأطراف الأحاديث : فنونها وأنواعها فهو جمع طرف [بالتحريك] بمعنى الناحية ، والأباطح :جمع أبطح وهى محل سيل الماء الذى فى الحصى الدقيق ضد الغليان ، وحينئذ فالمعنى : لما فرغنا من أداء المناسك فى الحج ومسحنا أركان البيت لطواف الوداع وغيره وشددنا الرحال ـ وهى ما يحمل من الأخبية ـ وغيرها على المطايا ، وارتحلنا ارتحال الاستعجال
__________________
(١) البيت لكثير عزة فى الإشارات ص ٢١٧ ، وفى شرح المرشدى على عقود الجمان ج ٢ ص ٤٤.