الحقيقة والمجاز
هذا هو المقصد الثانى من مقاصد علم البيان ـ أى : هذا بحث الحقيقة والمجاز. والمقصود الأصلى بالنظر إلى علم البيان هو المجاز ؛ إذ به يتأتّى اختلاف الطرق دون الحقيقة ، إلا أنها لما كانت كالأصل للمجاز ؛ إذ الاستعمال فى غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له ـ جرت العادة بالبحث عن الحقيقة ...
______________________________________________________
القول فى الحقيقة والمجاز
الحقيقة والمجاز
لما فرغ من التشبيه الذى هو أصل لمجاز الاستعارة التى هى نوع من مطلق المجاز ، شرع فى الكلام على مطلق المجاز وأضاف إليه ذكر الحقيقة لكمال تعريفه بها لا لتوقفه عليها (قوله : هذا هو المقصد الثانى من مقاصد علم البيان) أى : والمقصد الأول التشبيه ، والمقصد الثالث الكناية ؛ وذلك لأن فن البيان مشتمل على ثلاث مقاصد : باب التشبيه ، وباب المجاز ، وباب الكناية ، ولما فرغ من المقصد الأول وهو باب التشبيه شرع الآن فى المقصد الثانى وهو المجاز ، وقد تقدم وجه عدّ التشبيه مقصدا مستقلا ووجه تقديمه على المجاز (قوله : أى هذا .. إلخ) إشارة إلى توجيه التركيب بأنه حذف فيه المبتدأ والمضاف إلى الخبر وأقيم المضاف إليه مقامه (قوله : والمقصود الأصلى) أى : من هذا المبحث.
(قوله : اختلاف الطرق) أى : التى يؤدى بها المعنى المراد ، والمراد اختلافها فى الوضوح والخفاء (قوله : دون الحقيقة) أى : فلا يتأتى فيها اختلاف الطرق التى يؤدى بها المعنى المراد فى الوضوح والخفاء وذلك لعدم التفاوت فيها ؛ لأنها وضعت لشىء بعينه لتستعمل فيه فقط ، فإن كان السامع عالما بالوضع فلا تفاوت ، وإلّا فلا يفهم شيئا أصلا ، وفى قوله : دون الحقيقة إشارة إلى أن حصر تأتى اختلاف الطرق فى المجاز نسبىّ فلا ينافى أن الكناية يتأتى بها اختلاف الطرق أيضا (قوله : إلا إنها .. إلخ) جواب عما يقال ؛ حيث كان المقصود الأصلى من هذا المبحث بالنظر لعلم البيان إنما هو المجاز فما وجه ذكر الحقيقة معه وتقديمها عليه (قوله : كالأصل للمجاز) أتى بالكاف إشارة إلى أنها ليست أصلا حقيقة للمجاز وإلا لكان لكل مجاز حقيقة ـ وليس كذلك ، إذ التحقيق أن