من غير أن تتأدى إليها من طرق الحواس ؛ ...
______________________________________________________
فإنها تدرك صور المحسوسات بواسطة الحس المشترك ، وبهذا يندفع ما يقال : إذا قيل زيد إنسان ، فإما أن يكون الحاكم الحس المشترك فيرد عليه أنه إنما يدرك زيدا فقط ولا يدرك النسبة ولا المحمول الكلى ـ فكيف يصح الحكم منه؟ والحاكم يجب أن يدرك الطرفين ، وإما أن يكون الحاكم الواهمة فيرد عليه أنها لا تدرك الموضوع ولا المحمول ، فكيف تحكم؟ وإما أن يقال : الحاكم العقل ـ فيرد عليه أنه لا يدرك الموضوع ولا النسبة ـ فكيف يحكم؟ وحاصل الجواب : أنّا نختار الأخير ـ وهو أن الحاكم العقل ، وقولكم : إنه لا يدرك الموضوع ولا النسبة إن أريد أنه لا يدركهما أصلا لا بالذات ولا بالواسطة فهو ممنوع ، إذ الموضوع الجزئى يدركه بواسطة تجريده عن العوارض الجسمانية والنسبة يدركها بواسطة الواهمة ، وإن أريد أنه لا يدركهما بالذات فمسلم ، لكن الحكم لا يتوقف على ذلك ، إذ المدار على كون الحاكم مدركا للطرفين ولو بالواسطة ، ويندفع أيضا ما يقال : إن المعانى الجزئية نسب منتزعة من الصور فتعقلها متوقف على تعقل صور المحسوسات ـ فكيف تدركها الواهمة من غير إدراك الصور؟ وحاصل الدفع أن إدراكها للعداوة مثلا التى هى أمر جزئى يتأدى بغير طرق الحواس بذاتها وإدراكها للذئب ـ مثلا ـ الذى هو صورة يتأدى بواسطة الحواس الظاهرة بواسطة الحس المشترك ؛ لأن القوى الباطنية كالمراءى المتقابلة ينعكس إلى كل ما ارتسم فى الأخرى ، هذا والموافق لما تقدم من أن الوهمية سلطان القوى ، وأن لها التصرف فى مدركاتها أن الحاكم إنما هو تلك القوة ـ هذا محصل ما فى شرح شيخنا الشيخ الملوى لألفيته ، وهو مبنى على أن تلك القوى حقيقة ، والذى صرح به بعض المحققين كالسيد فى حاشية شرح المطالع أن المدرك للكليات والجزئيات ـ سواء كانت صورا أو معانى ـ إنما هو النفس الناطقة لكن بواسطة هذه القوى وأن نسبة الإدراك لهذه القوى كنسبة القطع إلى السكين فى يد صاحبه ، فإذا قيل لقوة من تلك القوى إنها مدركة لكذا ، فالمراد أنها آلة لإدراكه ، وعلى هذا فلا يرد شىء من البحثين السابقين ، فإذا قلت زيد إنسان ، فالحاكم النفس وهى تدرك الجميع بآلات مختلفة (قوله : من غير أن تتأدى) أى :