وأرسوا إنشاء لفظا ومعنى ؛ وهذا مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين ...
______________________________________________________
هذا بيان لكمال الانقطاع ، وعدم الوصل (قوله : وأرسوا إنشاء إلخ) أى لأنه أمر ، وكل أمر كذلك حقيقة ، أى وذلك مانع من العطف باتفاق البيانيين ، باعتبار مقتضى البلاغة ، وما يجب أن يراعى فيها.
وأما عند أهل اللغة ففيه الخلاف ، فالجمهور على أنه لا يجوز ، واختاره ابن عصفور. وفى شرح الإيضاح ، وابن مالك فى باب المفعول معه فى شرح التسهيل ، وجوزه الصفار وطائفة كأن يقال" حسبى الله ونعم الوكيل" بناء على أن إحدى الجملتين خبر والأخرى إنشاء ، ونقل أبو حيان عن سيبويه جواز عطف الجملتين المختلفتين بالاستفهام والخبر ، نحو" هذا زيد ومن عمرو" قال بعضهم إن من منع العطف من أهل اللغة ، فمنعه بالنظر للبلاغة ومراعاة المطابقة لمقتضى الحال ، ومن جوزه فتجويزه إذا لم تراع المطابقة لمقتضى الحال ، وحينئذ فتجويزه بالنظر للغة لا بالنظر للبلاغة ، فلا خلاف بين الفريقين ، وفيه نظر ؛ لأن الجائز لغة إذا لم يكن نادرا لا ينافى البلاغة ، وإن أراد أن الفصل عند كمال الانقطاع واجب فى مقام ممتنع فى آخر فهذا مما لا يذكروه ولم يتعرضوا له أصلا تأمل.
(قوله : وهذا مثال إلخ) هذا جواب عما يقال اعتراضا على المصنف : " إن الكلام فى الجمل التى لا محل لها من الإعراب" والجملتان فى البيت الذى مثّل به لهما محل من الإعراب ؛ لأنهما معمولتان لقال ، وحينئذ فالتمثيل غير مطابق.
وحاصل ما أجاب به الشارح أن هذا مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين مع قطع النظر عن كونهما معا لا محل لهما من الإعراب ، والحاصل أن كمال الانقطاع نوعان : أحدهما : فيما ليس له محل من الإعراب وهذا يوجب الفصل ، والثانى : فيما له محل من الإعراب وهذا لا يوجبه ، وهذا المثال من الثانى دون الأول ، وحينئذ فهو مثال لمطلق كمال الانقطاع ، لا الذى كلامنا فيه وهو ما يوجب الفصل ، قال ابن يعقوب بعد كلام قرره : فتحصل مما تقرر أن منع العطف بين الإنشاء والخبر له ثلاثة شروط : أن يكون بالواو ، وأن يكون فيما لا محل له من الإعراب من الجمل ، وألّا يوهم خلاف