نحو : (كُونُوا حِجارَةً
أَوْ حَدِيداً) إذ ليس الغرض أن يطلب منهم كونهم قردة أو حجارة لعدم
قدرتهم على ذلك ، لكن فى التسخير يحصل الفعل ؛ أعنى : صيرورتهم قردة ، وفى الإهانة
لا يحصل ؛ إذ المقصود قلة المبالاة بهم.
______________________________________________________
والإهانة اللزوم ؛ لأن طلب الشىء من غير قصد حصوله لعدم القدرة عليه مع
كونه من الأحوال الخسيسة يستلزم الإهانة أو العلاقة المشابهة فى مطلق الإلزام ؛
لأن الوجوب إلزام المأمور والإهانة إلزام الذل والهوان ـ تأمل.
(قوله : نحو (كُونُوا حِجارَةً
أَوْ حَدِيداً)) أى : ونحو : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) لأنه ليس المراد الأمر بذوقه العذاب ؛ لأن الكافر حال
الخطاب بالصيغة فى غصص المذوق ومحنه.
(قوله : إذ ليس إلخ) علة لمحذوف أى : فالغرض من الأمرين التسخير والإهانة ،
لا الطلب إذ ليس إلخ (قوله : لكن فى التسخير) لما أفاد اشتراك التسخير والإهانة فى عدم القدرة فربما
يتوهم عدم الفرق بينهما ، وحينئذ فلا وجه لكون الأمر فى المثال الأول للتسخير ،
وفى الثانى : للإهانة ، فاستدرك على ذلك ببيان الفرق ، وحاصل ما ذكره من الفرق بين
التسخير والإهانة اللذين دلت على إرادتهما القرائن فى الأمرين أن التسخير يحصل فيه
الفعل حال إيجاد الصيغة ، فإن كونهم قردة أى : مسخهم وتبديلهم بحال القردة واقع
حال إيجاد الصيغة والإهانة لا يحصل فيها الفعل أصلا ؛ لأن المقصود فيها تحقير
المخاطبين وقلة المبالاة بهم لا حصول الفعل فقول الشارح ، لكن فى التسخير يحصل
الفعل أى : حال إيجاد الصيغة وقوله وفى الإهانة لا يحصل أى : الفعل أصلا وقوله ،
إذ المقصود أى : من الإهانة قلة المبالاة بهم أى : لا حصول الفعل ، واعلم أن
التحقير قريب من الإهانة وقد استعملت صيغة الأمر فيه فى قوله تعالى حكاية عن موسى
ألقوا ما أنتم ملقون أى : إن ما جئتم به من السحر حقير بالنسبة للمعجزة ، وإنما
قلنا : إنه قريب منها ؛ لأن كل محتقر فى الاعتقاد ، أو فى الظاهر فهو مهان فى ذلك
الاعتقاد ، أو الظاهر وإن كانت الإهانة إنما تكون بالقول أو بالفعل والاحتقار
كثيرا ما يقع فى الاعتقاد ، والحاصل
__________________