(والتسوية نحو : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا)(١)) ففى الإباحة كأن المخاطب توهم أن الفعل محظور عليه فأذن له فى الفعل مع عدم الحرج فى الترك ، وفى التسوية كأنه توهم أن أحد الطرفين من الفعل والترك أنفع له وأرجح بالنسبة إليه فدفع ذلك وسوى بينهما.
______________________________________________________
أنه إن شرط فى الإهانة وهى التصغير إظهار ذلك قولا أو فعلا كما قلنا كانت أخص من مطلق التحقير ، وإن لم يشترط فيها ذلك كانا شيئا واحدا (قوله : والتسوية) يعنى صيغة الأمر تستعمل للتسوية بين شيئين وذلك فى مقام توهم أن أحدهما أرجح من الآخر ، كقوله تعالى (أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ)(٢) فإنه ربما يتوهم أن الإنفاق طوعا مقبول دون الإكراه فسوى بينهما فى عدم القبول وكقوله تعالى : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) فإنه ربما يتوهم أن الصبر نافع ، فدفع ذلك بالتسوية بين الصبر وعدمه ، فليس المراد بالصيغة فى المحلين الأمر بالإنفاق ولا الأمر بالصبر ، بل المراد كما دلت عليه القرائن التسوية بين الأمرين كما قلنا ، والعلاقة بينها وبين الأمر التضاد ؛ لأن التسوية بين الفعل والترك تضاد إيجاب أحدهما هذا ، واعترض بعضهم كون صيغة الأمر تستعمل للتسوية بأن التسوية قد تستفاد من التركيب الذى فيه النهى كما فى الآية الثانية ، فيلزم أن يكون النهى للتسوية ، ولم يقل بذلك أحد ، فالظاهر أن التسوية لأو لا لصيغة الأمر ورد ذلك بأنهم صرحوا بأن النهى يكون للتسوية أيضا وجعلوا منه قوله تعالى أو لا تصبروا ، وبأن أو لأحد الشيئين أو الأشياء ، فلا دلالة لها على التسوية ـ تأمل. اه غنيمى.
(قوله : ففى الاباحة إلخ) هذا شروع فى الفرق بين الإباحة المتقدمة والتسوية المذكورة هنا ، وكأن سائلا سأله وقال له أحدهما لازم للآخر فما الفرق ، وحاصل الفرق بينهما أن الإباحة يخاطب بها من هو بصدد أن يتوهم المنع من الفعل فيخاطب ، بالإذن فى الفعل مع عدم الحرج فى الترك كما فى قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(٣) والتسوية
__________________
(١) الطور : ١٦.
(٢) التوبة : ٣٥.
(٣) المائدة : ٢.