نحو : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(١) والإهانة ، ...
______________________________________________________
أخرى أخس من الأولى ، والتكوين : الإنشاء من العدم إلى الوجود ، ويوجد استعمال صيغة الأمر فيه كقوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ)(٢) والتعبير عن الإيجاد بكن إيماء إلى أنه يكون فى أسرع لحظة ، وأنه طائع لما يراد ، فكأنه إذا أمر ائتمر ويحتمل أن يكون التكوين أعم بأن يراد به مطلق التبديل إلى حالة لم تكن ويراد بالتسخير ما تقدم أى : التبديل من حالة إلى أخرى فيها مهانة ومذلة. اه كلامه.
وعلى هذا فالعلاقة بين الطلب والتسخير المشابهة فى مطلق الإلزام ، فإن الوجوب إلزام المأمور والتسخير إلزام الذل والهوان (قوله : (خاسِئِينَ)) أى : صاغرين مطرودين عن ساحة القرب والعز ووصف القردة به لتأكيد ما تضمنه معناه ، ويصح أن يكون خاسئين خبرا بعد خبر لكان أى : كونوا جامعين بين القردة ، والخسء أى : الصغار والطرود ، ولا يرد على هذا أن المبتدأ لا يقتضى أكثر من خبر واحد من غير عطف إلا بشرط أن يكون الخبران فى معنى خبر واحد نحو : هذا حلو حامض ، وقردة خاسئين : ليس من هذا ؛ لأن كل واحد منهما مستقل بإفادة الصغار والذل ، فالذى يفهم من مجموعهما يفهم من كل واحد منهما ؛ لأنا نقول الحق أن الأخبار المتعددة إذا لم تكن فى معنى الخبر الواحد يجوز فيها العطف وعدمه ومنه وهو الغفور الودود الآية ، ويصح أن يكون خاسئين حالا من اسم كان ، ولا يراد على هذا أن كان لا تعمل إلا فى المبتدأ والخبر ؛ لأن عدم عمل كان فى الحال مبنى على عدم دلالتها على الحدث ، والصحيح دلالتها عليه ، واعلم أن صيغة الأمر إذا استعملت فى التسخير أو فى الإهانة الآتية يحتمل أن تكون إنشاء أى : إظهار لمعناها وهو الذلة والحقارة ، ويحتمل أن تكون إخبارا بالحقارة والمذلة فكأنه قيل على هذا هم بحيث يقال فيهم إنهم أذلاء محتقرون ممسوخون وكونها للإخبار فى الإهانة أظهر منه فى التسخير (قوله : والإهانة) وهى إظهار ما فيه تصغير المهان وقلة المبالاة به ، وحاصله أن صيغة الأمر ترد للإهانة وذلك إذا استعملت فى مقام عدم الاعتداد بشأن المأمور على أى وجه كان والعلاقة بين الأمر
__________________
(١) البقرة : ٦٥.
(٢) يس : ٨٢.