والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا ، فإنما يقع ما نواه ، هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النّظر عن شيء آخر ، وأمّا الذي أراده هذا الشاعر المعيّن فهو الثلاث لقوله بعد [من الطويل] :
فبيني بها إن كنت غير رفيقة |
|
وما لامرىء بعد الثّلاث مقدّم |
* * *
مسألة ـ أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة «أل» عن الضمير المضاف إليه ، وخرّجوا على ذلك (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٤١) [النازعات : ٤١] ،
______________________________________________________
والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا ؛ فإنما يقع ما نواه) وفيه نظر.
أما أولا : فلأن الكلام محتمل لوقوع الثلاث على التقدير الذي ذكره ، بأن تجعل أل للعهد الذكري كما تقدم له في أحد وجهي الرفع كأنه قال : والطلاق الذي ذكرته ليس بلغو ولا لعب بل هو معزوم عليه حالة كونه ثلاثا.
وأما ثانيا : فلأنه لا يظهر داع إلى الإتيان بقوله : إذا كان مع جعله ثلاثا حالا من الضمير في عزيمة إلا أن يكون غرضه بيان أن الحال في معنى الظرف ، كما تقول : معنى جاء زيد قائما جاءني حال كونه قائما ، والأمر قريب فيه ، فإن قلت : وفيه نظر من وجه آخر وهو قوله : إن في العزيمة ضميرا مستترا ؛ إذ هي مصدر والمصدر لا يضمر فيه ، قلت : إنما ذلك إذا لم يؤول وهنا مؤول فيحتمل الضمير كما في زيد عدل ، فإن قلت : لو تحمله لأنث وثني وجمع في نحو هند صوم والزيدان عدل ، والزيدون عدل ، قلت : روعي فيه جهتان : جهة المشتق الذي أول به فتحتمل وجهة أصله فلم يغير (هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النظر عن شيء آخر ، وأما الذي أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد :
فيبني بها إن كنت غير رفيقة |
|
وما لامرىء بعد الثلاث مقدم) (١) |
البينونة : الفراق والضمير من بها عائد على الثلاث المتقدم ذكرها ، وأن مصدرية وقبلها لام العلة مقدرة أي : فارقني بهذه التطليقات الثلاث ، لأجل أنك كنت غير رفيقة أي : لم يكن فيك رفق ولين بل شؤم وعنف ، ومقدم مصدر ميمي من قدم بمعنى تقدم أي : ليس لأحد تقدم إلى العشرة بعد إيقاع الثلاث ؛ إذ بها تمام الفرقة.
(مسألة : أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة أل عن الضمير المضاف إليه ، وخرجوا على ذلك (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١]) وذلك أن الموصول من
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، انظر خزانة الأدب للبغدادي ، الشاهد ٢٤٥.