ولا يجوز في الآية أن تكون مفسّرة لـ «أمرتني» لأنه لا يصحّ أن يكون (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ١١٧] مقولا لله تعالى ؛ فلا يصحّ أن يكون تفسيرا لأمره ، لأن المفسّر عين تفسيره ،
______________________________________________________
لم يكن لك أن تجعل كل قول في معنى فعل فيه معنى القول ، فتجعل أن مفسرة له كما يشعر به كلام المصنف ، قال التفتازاني : لكن في جعل أن مفسرة لفعل الأمر المذكور صلته مثل أمرته بهذا أن قم نظر ، أما في طريق القياس فلأن أحدهما مغن عن الآخر ، وأما في الاستعمال فلأنه لا يوجد قلت : كلا وجهيه منظور فيه.
أما الأول فلأن في الجمع بينهما من الفائدة ما في ذكر الشيء مرتين مبهما أولا ومفسرا ثانيا ، وله من الموقع في النفوس ما لا يخفى.
وأما الثاني فشهادة على النفي ، وفي الكتاب العزيز (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) [طه : ٣٨ ـ ٣٩] فإن قلت : ما في هذه الآية تفسير لمفعول أوحينا لا لفعل الإيحاء ، والكلام إنما هو في جعلها مفسرة للفعل الذي ذكرت صلته؟ قلت : إنما أراد الزمخشري بكونها مفسرة للقول المؤول بالأمر كونها مفسرة لمقول القول لا لنفس القول ، وكيف يتصور أن يكون اعبدوا الله تفسيرا للقول المراد به المعنى المصدري ، وعليه فهو نظير الآية التي أوردناها ، وقد أسلفنا في أول الكلام على أن المفسرة أنها لا تفسر إلا مفعولا مقدر اللفظ دال على معنى القول ، وأنها قد تفسر المفعول الظاهر كهذه الآية فتأمله.
(ولا يجوز في الآية أن تكون مفسرة لأمرتني ؛ لأنه لا يصح أن يكون اعبدوا الله ربي وربكم مقولا لله تعالى ، فلا يصح أن يكون تفسيرا لأمره) أي لمأموره (لأن المفسر عين تفسيره) في المعنى ، ويمكن أن يقال : المحكي إنما هو اعبدوا الله ، وقوله : ربي وربكم من كلام عيسى عليهالسلام ، أردف به الكلام تعظيما لله سبحانه وتعالى ، كما قال الزمخشري في قوله تعالى حكاية عن اليهود : إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، ويجوز أن يضع لذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعا لعيسى عليه الصلاة والسّلام عما كانوا يذكرونه وتعظيما لما أرادوا بمثله ، وقال ابن الحاجب «في أماليه» : وإذا حكى حاك كلاما فله أن يصف المخبر عنه لمن يحكي له بما ليس في كلام الشخص المحكي عنه ، ويمكن أن يصرف التفسير إلى المعنى بأن يكون عيسى عليه الصلاة والسّلام قد حكى قول الله عزوجل بعبارة أخرى ، فكأنه تعالى قال له : مرهم أن يعبدوني ، أو مرهم بأن يعبدوا الله ربك وربهم ، فعبر عيسى عليهالسلام عن نفسه بطريق التكلم ، وعنهم بطريق الخطاب على ما هو مقتضى المقام حينئذ ، ونظيره في الحكاية بالمعنى قوله تعالى : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) (٣١) [الصافات : ٣١] والأصل إنكم