والوجه الثاني : أن تكون مخفّفة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزّل منزلته ، نحو : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : ٨٩] ، (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) [المزمل : ٢٠] ، (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة : ٧١] ، فيمن رفع تكون ، وقوله [من الكامل] :
٣٧ ـ زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا |
|
أبشر بطول سلامة يا مربع |
و «أن» هذه ثلاثيّة الوضع ، وهي مصدريّة أيضا ، وتنصب الاسم وترفع الخبر ، خلافا للكوفيّين ، زعموا أنها لا تعمل شيئا ،
______________________________________________________
وقد أجود وما مالي بذي فناء |
|
وأكتم السر فيه ضربة العنق (١) |
الوجه الثاني : (أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين ، وأما ما نزل منزلته نحو : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : ٨٩]) ونحو (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] فهاتان الآيتان مثالان لما وقعت فيه المخففة بعد فعل اليقين ، ونحو ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة : ٧١] فيمن رفع) أي : في قراءة من رفع تكون ، قرأ بذلك أبو عمرو والكسائي وحمزة ، وهذه الآية مثال لما وقعت فيه المخففة بعد فعل منزل منزلة الفعل الدال على اليقين ، نزل حسبانهم لقوته في صدورهم منزلة العلم ، وقرأ الباقون بنصب يكون على الظاهر ؛ لأن الحسبان ليس من أفعال التحقيق ، قلت : وادعى ابن مالك أن حسب تستعمل تارة للظن وتارة للعلم ، والظاهر أن مراده أن ذلك بحسب الوضع (و) نحو (قوله) أي : قول جرير :
(زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا |
|
أبشر بطول سلامة يا مربع) (٢) |
مربع بكسر الميم كمنبر لقب وعوعة بن سعيد راوي جرير بواوين مفتوحتين بينهما عين ساكنة مهملة ، وبعد الواو الثانية عين أخرى مهملة ، عليها هاء تأنيث ، والفرزدق على زنة سفرجل لقب همام بن غالب بن صعصعة ، الشاعر المشهور بينه وبين جرير مناقضات كثيرة وأهاج كثيرة ، واستعمل الزعم هنا في القول الباطل أي : دعواه أنه سيقتل مربعا دعوى كاذبة لا يمكنه الوفاء بتحقيقها (وأن هذه ثلاثية الوضع) إذ هي مخففة من الثقيلة (وهي مصدرية أيضا) كما أن أصلها المخففة هي عنه كذلك ، وكما أن الثنائية الوضع التي تنصب المضارع وتوصل به وبالماضي والأمر مصدرية.
(وتنصب) أي : المخففة من الثقيلة (الاسم وترفع الخبر خلافا للكوفيين زعموا أنها لا تعمل شيئا) وفائدة الإتيان بقوله زعموا إلى آخره بعد قوله خلافا للكوفيين رفع ما قد يتوهم ، من
__________________
(١) البيت من البحر البسيط وهو لأبي محجن الثقفي في ديوانه ص ٢١ ، ولسان العرب ١ / ١٢٤ (فنأ).
(٢) البيت من البحر الكامل ، وهو لجرير في ديوانه ٢ / ٩١٦ وخزانة الأدب ٨ / ١٢٤ ، ولسان العرب ٨ / ١١٢ (ربع).