وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد «إن» الشرطيّة لأنها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محلّه ، كما أنها لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه.
الأمر الثاني : كونها توصل بالأمر ، والمخالف في ذلك أبو حيّان ، زعم أنها لا توصل به ، وأن كل شيء سمع من ذلك فـ «أن» فيه تفسيريّة ، واستدل بدليلين :
أحدهما : أنهما إذا قدّرا بالمصدر فات معنى الأمر.
______________________________________________________
(و) الجواب عن الدليل الثاني بإبداء الفارق وذلك (أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية ، لأنها أثرت الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله) وأن المصدرية إذا دخلت على الماضي مثلا لا تؤثر في معناه شيئا ، فلا تؤثر عملا في محله فافترقا (كما أنها) أي : المصدرية (لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه) وقد يقال : ليس بين تأثير الأدوات لتخليص المعنى إلى الاستقبال ، وتأثيرها لنصب اللفظ تلازم بدليل سوف.
(الأمر الثاني كونها توصل بالأمر والمخالف في ذلك) الشيخ أثير الدين (أبو حيان زعم أنها لا توصل به ، وأن كل شيء سمع من ذلك فإن فيه تفسيرية) لا مصدرية ، فإن قلت : فماذا تصنع في الآية المتقدمة وهي (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ١٠٤ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [يونس : ١٠٤ ، ١٠٥] فقد مر أنه لا يصح عطف أن أقم إذا جعلت فيه أن تفسيرية على أن أكون لمكان التخالف بالإفراد والجملية.
قلت : من يجعل الثانية مفسرة يجعله من باب عطف الجمل بعضها على بعض ، فيرتفع ذلك المانع والتقدير حينئذ : وأمرت أن أقم ، وهذا وإن كان سائغا من حيث الإعراب لكنه مفوت لفائدة معنوية مترتبة على جعل أن مصدرية معطوفة مع صلتها على أن أكون ، وذلك أن قوله : وأن أقم وجهك مع ما يليه من الآيات كالتفسير لقوله : (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ١٠٤] على أسلوب أعجبني زيد وكرمه داخل معها في حكم المأمور به ، فلو قدر هذا الوجه وهو جعل أن مفسرة ، والتقدير : وأمرت أو أوحي إلي أو نوديت أن أقم فات ذلك الغرض ، وكانت الجملة مستقلة معطوفة على مثلها كذا قرره بعضهم (واستدل بدليلين :
أحدهما : أنهما) أي أن وما دخلت عليه (إذا قدر بالمصدر فات معنى الأمر) الذي كان مستفادا من الصيغة ضرورة أن المصدر لا دلالة له على الطلب البتة.