اختلف القائلون بانحصار الخبر فى الصدق والكذب فى تفسيرهما ؛ فقيل : ...
______________________________________________________
الأول : ما سبق وهو الألفاظ التى يعنون بها عن تفصيل شىء علم إجمالا من الكلام السابق بداهة أو قريبا من البداهة.
الثاني : أن يكون البحث اللاحق معلوما من الكلام السابق إجمالا ولو نظريا وما ذكر هنا من هذا القبيل ، فإن قلت : إن الذى عرف مما تقدم إنما هو مذهب الجمهور ، وأما مذهب الجاحظ (١) والنظام (٢) ودليل كل واحد منهما والرد عليه فلم يعلم مما تقدم لا إجمالا ولا تفصيلا ، وحينئذ فجميع ما ذكره فى هذا المبحث لم يعلم مما تقدم فلا وجه لتسميته تنبيها ، وأجيب بأن مسمى التنبيه تفسير الصدق والكذب على مذهب الجمهور الذى هو معلوم مما مر ، وأما ما ذكر معه فهو مذكور استطرادا زيادة على الترجمة وهى لا تضر ، وإلى هذا الجواب يشير قول الشارح : تنبيه على تفسير الصدق والكذب ، فإنه يشير إلى خروج الأدلة والاعتراضات عليها عن مسمى التنبيه.
(قوله : اختلف القائلون إلخ) حاصله أن العلماء اختلفوا فى الخبر ـ هل ينحصر فى الصادق والكاذب؟ وبه قال الجمهور والنظام أو لا ينحصر ، بل منه ما ليس بصادق ولا كاذب وبه قال الجاحظ. والقائلون بالانحصار اختلفوا فى تفسير الصدق والكذب ، فالجمهور فسروهما بتفسير ، والنظام فسرهما بتفسير (قوله : فى الصدق) أى : فى ذى الصدق وذى الكذب وهو الصادق والكاذب وإنما قدرنا ذلك ؛ لأن الخبر ينقسم للصادق والكاذب لا للصدق والكذب ؛ لأنهما من أوصافه.
__________________
(١) هو العلامة المتبحر أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصرى المعتزلى صاحب التصانيف أخذ عن النظام ـ روى عن أبى يوسف القاضى وثمامة بن أشرس ـ وروى عنه أبو العيناء ، ويموت بن المزرّع ابن أخته ـ وكان أحد الأذكياء ـ قال الذهبي : كان ماجنا قليل الدين له نوادر وقال : كان من بحور العلم وتصانيفه كثيرة جدا ، قيل : لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته ، حتى إنه كان يكترى دكاكين الكتبيين ويبيت فيها للمطالعة وكان داهية فى قوة الحفظ ، وللشارح كلام عنه ، سيأتى عند حديثه عن انحصار الخبر فى الصدق والكذب وذكر رأى الجاحظ فى ذلك. وانظر السير (١١ / ٥٢٦) والأعلام (٥ / ٧٤).
(٢) هو إبراهيم بن سيار المعروف بالنظام أبو إسحاق ، شيخ من شيوخ المعتزلة ، توفى بين سنة ٢٢١ ـ ٢٣١ ه.