وهو أن يرتقى الكلام فى بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته (وما يقرب منه) ...
______________________________________________________
الأعلى فرد من البلاغة التى هى المطابقة لا الإعجاز (قوله : وهو) أى : الإعجاز عند علماء البلاغة : ارتقاء الكلام فى بلاغته إلخ ، وإنما قلنا عند علماء البلاغة ؛ لأن الإعجاز عند غيرهم : ارتفاع الكلام بالبلاغة أو غيرها إلى أن يخرج عن طوق البشر (قوله : أن يرتقى الكلام) أى : يرتفع شأنه ، وقوله فى بلاغته أى : بسبب بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر أى : طاقتهم وقدرتهم لا بإخباره عن المغيبات ، ولا بأسلوبه الغريب ، ولا بصرف العقول عن معارضته ، ويصح أن تكون (في) باقية على حالها ، ويكون شبه ما يراعى فى البلاغة من الخصوصيات بمدارج يرتقى فيها الكلام ، فإذا بلغ الحد الأعلى فى تلك المدارج كان إعجازا على طريق المكنية والارتقاء تخييل ، والمعنى وهو أن يرتقى الكلام فى الخصوصيات التى تراعى فى بلاغته إلى أن يخرج عن طاقة البشر وقدرتهم.
وذكر البشر ؛ لأنهم المشتهرون بالبلاغة والمتصدون للمعارضة ، وإلا فالعجز ما يكون خارجا عن طوق جميع المخلوقات من الجن والإنس والملائكة (قوله : ويعجزهم عن معارضته) أى : يصيرهم عاجزين عن معارضته ، فالهمزة فى الإعجاز للتصيير ، وهو عطف لازم على ملزوم ، فإن قيل ما ذكرتموه ـ من أن الكلام يرتقى ببلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم ـ ممنوع ، إذ ليست البلاغة سوى المطابقة لمقتضى الحال مع الفصاحة ، والعلم الذى له مزيد اختصاص بالبلاغة ـ أعنى المعانى والبيان ـ متكفل بالإتيان بهذين الأمرين على وجه التمام ؛ لأن علم المعانى كافل للمطابقة ، وعلم البيان كافل للخلوص من التعقيد المعنوى ، وحينئذ فمن أتقن هذين العلمين وأحاط بهما ، لم لا يجوز أن يراعى هذين الأمرين حق الرعاية ، فيأتى بكلام هو فى الطرف الأعلى من البلاغة ، ولو بقدر أقصر سورة من القرآن ، فكيف يمكن ارتقاء الكلام إلى أن يخرج عن طوق البشر بسبب بلاغته ، وأجيب بأن تكفل علم البلاغة بهذين الأمرين ممنوع ، إذ لا يعرف بهذا العلم إلا أن هذا الحال يقتضى ذلك الاعتبار مثلا ، وأما الاطلاع على كمية الأحوال أى : معرفة عددها وكيفيتها فى الشدة والضعف ورعاية الاعتبارات بحسب