وهو كون الكلام مغلقا لا يظهر معناه بسهولة (قابلا) خبر بعد خبر ؛ أى : كان قابلا (للاختصار) لما فيه من التطويل (مفتقرا) أى محتاجا (إلى الإيضاح) لما فيه من التعقيد (و) إلى (التجريد) ...
______________________________________________________
وقدّدت الأديم لراهشيه |
|
وألفى قولها كذبا ومينا |
فالكذب والمين بمعنى واحد ، فأحدهما زائد لا بعينه ، وهذا الفرق الآتى يقتضى أن يكون بينهما التباين ، وما ذكره الشارح هنا فرق بينهما بحسب اللغة ، وما يأتى فرق بحسب ما وقع عليه اصطلاح أهل هذا الفن. (قوله : وهو كون الكلام مغلقا ... إلخ) أشار بذلك إلى أن التعقيد هنا مصدر المبنى للمفعول ، أى : عقّد الكلام ، لأجل أن يكون وصفا للكتاب ، وأما التعقيد بمعنى جعل الكلام معقدا الذى هو مصدر المبنى للفاعل فهو وصف للفاعل ، ولا تحسن إرادته هنا ، وأورد على الشارح أن التطويل وكذا الحشو ليسا وصفين للكتاب إذا جعلا مصدرى المبنى للفاعل ، بل إذا جعلا مصدرى المبنى للمفعول ، فكان ينبغى التأويل فيهما أيضا ليكونا وصفين للكتاب ؛ إلا أن يقال : إنه ترك التأويل فيهما اتكالا على المقايسة ، أو ترك ذلك استغناء بتفسيرهما السابق ؛ لأنه قد فسر كلا منهما باللفظ الزائد ، وهذا يفيد حملهما على المحشوّ والمطوّل به ، وأن المصدر بمعنى اسم المفعول ، لا أنه باق على مصدريته حتى يحتاج إلى أن يؤولهما بما أول به التعقيد ، ثم إن كون الكلام مغلقا : إما بسبب خلل فى اللفظ ، وهو التعقيد اللفظى ، أو خلل فى الانتقال ، وهو التعقيد المعنوى ، أو بسبب ضعف التأليف ؛ لأن مخالفة النحو فى الكلام توجب صعوبة فهم المراد بالنسبة لمن تتبع قواعد الإعراب ، فالتعقيد هنا فى كلام المصنف شامل لضعف التأليف بخلافه فيما يأتي ؛ فإنه خاص بالأمرين الأولين. بدليل عطف ضعف التأليف عليه ، كما أفاده الحفيد. (قوله : خبر بعد خبر) أى : بناء على جواز تعدد خبر الناسخ ، وإنما سكت عن جعله حالا من ضمير" غير مصون" ؛ لأن الخبرية أظهر وأقرب ؛ لأنه يوهم أن مغايرته للمصون مشروطة بملاحظة قبوله للاختصار مع أنه ليس كذلك ؛ فإنه فى نفسه مغاير للمصون وإن لم يلاحظ ذلك ، فيكون أدعى للقدوم على اختصاره ، وما قيل فى" قابلا" من الإعراب يقال فى" مفتقرا" ، واختار فى جانب الاختصار التعبير ب" قابلا" ، وفى جانب الإيضاح والتجريد التعبير ب" مفتقرا" ؛ إشارة إلى أن الاهتمام بالاختصار دون الاهتمام بالإيضاح والتجريد ، فالتحرز عنهما أهم من التحرز عنه.