ألا ترى أن التاء في «يا أمّت» إنما هي بدل من ياء أمّي ، وإنما أبدلها ألفا للتخفيف ، أفلا تراه كيف جمع بين العوض والمعوض منه.
فهذا يؤكد مذهب أبي بكر وأبي إسحاق في فمويهما. وما ذكرنا فيه من هذين الجوابين أحسن من أن تحمل الكلمة على الغلط منهم ، كهمز مصائب ، وحلأت السويق (١) ، وغير ذلك.
وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى : قال بلال بن جرير (٢) :
إذا ضفتهم أو سآيلتهم |
|
وجدت بهم علّة حاضره (٣) |
فإنّ أحمد كأنه لم يعرفه ، فلما فهم قال : هذا جمع بين اللغتين. فالهمزة في هذا هي الأصل ، وهي التي في قولك : ساءلت زيدا ، والياء هي العوض والفرع ، وهي التي في قولك : سايلت زيدا ، فقد تراه كيف جمع بينهما في قوله : «سآيلتهم» فوزنه على هذا : فعاعلتهم ، وهذا مثال لا يعرف له في اللغة نظير.
فإذا ثبت بما قدمناه أن عين «فم» في الأصل واو ، فينبغي أن يقضى بسكونها ، لأن السكون هو الأصل حتى تقوم الدلالة على الحركة الزائدة.
فإن قلت : فهلا قضيت بحركة العين لجمعك إياه على أفواه ، ألا ترى أن أفعالا إنما هو في الأمر العام جمع فعل نحو بطل وأبطال ، وقدم وأقدام ، ورسن (٤) ، فاعرف ذلك.
__________________
(١) حلأت السويق : يقال حلأ السويق حلئة إذا حلاه. القاموس المحيط (١ / ١٢). قال الفراء : قد همزوا ما ليس بمهموز لأنه من الحلواء.
(٢) البيت نسبه إليه صاحب الخصائص (٣ / ١٤٦).
(٣) علة : حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأن تلك العلة صارت شغلا ثانيا منعه عن شغله الأول. يقول الشاعر : إنك إذا حللت عليهم ضيفا أو سألتهم حق الضيافة وجدت ما يشغلهم عنك. والبيت أسلوبه خبري تقريري. والبيت نسبه صاحب اللسان في مادة (سأل) إلى بلال بن جرير. (١١ / ٣١٩).
(٤) ورسن : الرسن : الحبل وجمعه أرسان ، ورسن الفرس أي شده بالرسن وبابه نصر. وأرسنه أيضا. مادة (ر س ن). القاموس المحيط (٤ / ٢٢٧).