كرهوا حذفه للتنوين ، فيجحفوا به ، فأبدلوا من الواو ميما لقرب الميم من الواو ، لأنهما شفهيتان ، وفي الميم هويّ في الفم يضارع امتداد الواو.
ويدل على أنّ فما مفتوح الفاء وجودك إياها مفتوحة في اللفظ ، هذا هو المشهور في هذه اللفظة ، فأمّا ما حكاه فيها أبو زيد وغيره من كسر الفاء وضمّها فضرب من التغيير لحق الكلمة لإعلالها بحذف لامها وإبدال عينها.
وأما قول الراجز (١) :
يا ليتها قد خرجت من فمّه |
|
حتى يعود الملك في أصطمّه (٢) |
يروى بضم الفاء من فمّه وفتحها ، فالقول في تشديد الميم عندي أنه ليس ذلك في هذه الكلمة ، ألا ترى أنك لا تجد لهذه المشدّدة الميم تصرفا ، إنما التصرف كله على (ف وه) ، ومن ذلك قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (آل عمران : ١٦٧) (٣).
وقال الشاعر (٤) :
فلا لغو ولا تأثيم فيها |
|
وما فاهوا به أبدا مقيم (٥) |
__________________
(١) البيتان من أرجوزة للعجاج وهما في الخزانة (٢ / ٢٨٢) الشاهد ٣٣١ ، ونسب ابن خالوية هذا الرجز إلى جرير يقوله في سليمان بن عبد الملك وعبد العزيز. والبيت ذكره صاحب اللسان في (طسم) ونسبه إلى جرير وهو أرجوزة وبعدها بيت هو :
أبرز لنا يمينه من كمه
ويسبقها بيتين.
(٢) اصطم الشيء : وسطه ومعظمه ، وفلان في أصطمة قومه : أي في وسطهم وأشرافهم. والشاهد فيه تشديد الميم. في قوله (فمّه).
(٣) يقولون : مضارع يفيد استمرار المنافقين على نفاقهم فهم دائما وأبدا يقولون ما ليس في قولهم. حيث يخفون ما تضمره قلوبهم ولكن الله عز وجل يكشف ذلك حتى يتضح نفاقهم لكل من يتعاملون معه.
(٤) البيت لأمية بن أبي الصلت. انظر / ديوانه (ص ٤٧٥).
(٥) لغو : لغا في القول لغوا : أخطأ وقال باطلا ، واللغو : ما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع ، واللغو أيضا : الكلام يبدر من اللسان ولا يراد معناه ، ومنه اللغو في اليمين. مادة (ل غ و) القاموس المحيط (٤ / ٣٨٦).