أنشد سيبويه (١) :
من لد شولا فإلى إتلائها (٢)
فلما حذفت النون تارة ، وثبتت أخرى ، وضمّت الدال تارة ، وفتحت أخرى ، قوي شبه النون بالتنوين الذي قد يحذف تارة ، ويثبت أخرى ، وتختلف الحركات التي قبله ، وهذا واضح جلي.
واعلم أن الشاعر له مع الضرورة أن يصرف ما لا ينصرف ، وليس له ترك صرف ما ينصرف للضرورة. هذا مذهبنا ، وذلك أن الصرف هو الأصل ، فإذا اضطر الشاعر رجع إليه ، وليس له أن يترك الأصل إلى الفرع.
فأما ما رووه من قول الشاعر (٣) :
فما كان حصن ولا حابس |
|
يفوقان مرداس في مجمع (٤) |
فإن أبا العباس رواه غير هذه الرواية ، وهي قوله :
... |
|
يفوقان شيخي في مجمع (٥) |
فرواية برواية ، والقياس في ما بعد معنا. على أن أبا الحسن قد حكى عنهم «سلام عليكم» غير منون ، والقول فيه : إن اللفظة كثرت في كلامهم ، فحذف تنوينها تخفيفا ، كما قالوا : لم يك ، ولم يبل ، ولا أدر.
واعلم أن النون قد حذفت من الأسماء عينا في قولهم «مذ» وأصله منذ. ولو صغرت مذ اسم رجل لقلت : منيذ ، فرددت النون المحذوفة ليصح لك وزن فعيل.
وحذفت أيضا لاما في ددن ، فقالوا : دد ـ وهو اللهو واللعب ـ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : «لست من دد ولا دد منّي».
__________________
(١) البيت في العيني (٢ / ٥١) ، والخزانة (٢ / ٨٤) ، والكتاب (١ / ١٣٤).
(٢) الشاهد فيه (من لد) حيث حذفت النون تشبيها لها بالتنوين.
(٣) البيت للعباس بن مرداس السلمي كما في الإنصاف (ص ٤٩٩) ، والعيني (٤ / ٣٦٥).
(٤) الشاهد فيه (مرداس) حيث لم يصرفها.
(٥) الشاهد فيه (شيخي) حيث رويت روايتين.