مواضع النصب ، وليس للرفع في الفضلة حظ ، فالنصب إذن أمكن في هذا الموضع من الرفع ، فلذلك جاز أن يحمل الرفع هنا على النصب.
وشيء آخر ، وهو أن اسم الفاعل إذا اختلفت حركاته ، فعمل في اسم ظاهر غير مضاف إلى مضمر ، فعمله أبدا في غالب الأمر النصب ، وذلك نحو : هذا رجل ضارب زيدا ، وإنّ عمرا قاتل بكرا ، وكان محمد شاتما خالدا.
فلدن إذن باسم الفاعل الناصب لما بعده أشبه منها باسم الفاعل الرافع لما بعده ، نحو : هذا رجل قائم أبوه ، وضربت رجلا قائما غلامه.
ألا ترى أن الأب والغلام مضافان إلى ضمير الأول ، وغدوة ليست مضافة إلى ضمير ولا إلى غيره ، فهي بالمنصوب نحو : هذا ضارب بكرا ، ولقيت شاتما جعفرا أشبه ، فاعرف ذلك ، فإني قد أوضحته ، وما علمت أحدا استقصى هذا الموضع هكذا.
فإن سأل سائل ، فقال : من أين جاز أن تفتح الدال في لدن ، وإنما هي لدن نحو قوله تعالى : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (النمل : ٦) و (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) (الكهف : ٧٦) و (مِنْ لَدُنْهُ) (النساء : ٤٠) وغير ذلك مما يطول ذكره حتى لّما اختلفت حركات الدال قبل النون أشبهت التنوين ، فنصب ما بعدها تشبيها بالمفعول؟
فالجواب : أن الفتحة في لدن إنما جاءت من قبل أنهم أسكنوا الدال في لدن استثقالا للضمة فيها كما يسكن نحو عضد وسبع ، فيقال : عضد (١) وسبع ، فلما سكنت الدال ، وكانت النون بعدها ساكنة التقى ساكنان. ففتحت الدال لالتقائهما ، وشبهت من طريق اللفظ بنحو قولك في الأمر والنهي : اضربن زيدا ، ولا تضربن عمرا. هكذا حصلت عن أبي علي وقت قراءة الكتاب عليه.
ويزيد عندك في شبه نون لدن بتنوين اسم الفاعل ، أن العرب قد حذفتها في بعض المواضع تخفيفا ، فقالت : من لد الحائط ، و : لد الصلاة. وحذفوها أيضا ولا ساكن بعدها.
__________________
(١) عضد : ساعد. القاموس المحيط (١ / ٣١٤).