إحداهما : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) بتنوين «عزير» لابن ابنا الآن خبر عن «عزير» فجرى هذا مجرى قولك : زيد ابن عمرو.
والقراءة الأخرى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) وحملها أصحابنا على وجهين :
أحدهما : أن يكون «عزير» خبر مبتدأ محذوف ، وابن وصف له ، فحذف التنوين من «عزير» لأن ابنا وصف له ، فكأنهم قالوا : هو عزير بن الله ، وهذا عندنا بعيد وإن كان أبو العباس قد أجازه ، لأنه لم يجر لعزير ذكر في ما قبل فيجوز إضماره.
والوجه الآخر : أن يكون جعل ابنا خبرا عن «عزير» ، وحذف التنوين ضرورة ، وهذا وإن كان فيه من الضرورة ما ذكرت لك فإنه أشبه ، لأنه موافق معنى قراءة من نوّن وجعل ابنا خبرا عن عزير.
فإن قلت : فإن من أجرى ابنا صفة على عزير فقد أخبر عنه أيضا بأنه ابن كما أخبر عنه من نوّن عزيرا ، عز الله وعلا علوّا كبيرا.
فإن هذا خطل من إلزام الملزم ، وذلك أنك إذا قلت : زيد ظريف ، فجعلت ظريفا خبرا عن زيد ، فقد استأنفت الآن تعريف هذه الحال وإفادتها للسامع ، وإذا قلت : هو زيد الظريف فإنما أخبرت عن ذلك المضمر بأنه زيد ، وأفدت هذا من حاله ، ثم حلّيته بالظريف ، أي : هو زيد المعروف قديما بالظريف.
وليس غرضك أن تفيد الآن أنه حينئذ استحق عندك الوصف بالظرف. فهذا أحد الفروق بين الخبر والوصف. وكذلك أيضا لو كان تقديره : هو عزير ، فأخبرت عن المضمر بأنه عزير ، ثم وصف بابن لكان التقدير هو عزير ، الذي عرف من حاله قديما بأنه ابن الله تعالى الله جل ثناؤه عن ذلك علوا كبيرا ، وليس المعنى كذلك ، إنما حكى الله سبحانه عنهم أنهم أخبروا بهذا الخبر ، واعتقدوا هذا الاعتقاد ، فصار نحوا من قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) (الأنعام : ١٠٠) في أنه حكاية عنهم ما أخبروا به حينئذ من اعتقادهم ، وأظهروه من آرائهم ، هذا مع ما قدمناه من ضعف إضمار عزير إذا لم يجر له ذكر.