منوية الانفصال منه ، فلما اتصلت بما فيه التنوين لفظا ومعنى كره الجمع بينهما في آخر المندوب لئلا تجتمع في آخره زيادتان.
فهذا فرق ما بينهما ويزيد الحال وضوحا لك أنهم يقولون في الإنكار على من قال ضربت زيدا الطويل : أزيدا الطويلاه ، فيوقعون مدة الإنكار على الوصف دون الموصوف الذي وليته همزة الاستفهام ، وهذا غير جائز في الندبة.
ألا ترى أن سيبويه (١) لم يجز ولا سمع من العرب في الندبة ، وازيد الطّويلاه ، لأن علم الندبة لا يباشر إلا المندوب نفسه دون صفته ، ولا علة ههنا توجب ذلك إلا شدة اتصال علم الندبة بنفس المندوب. فأما ما ذهب إليه يونس (٢) من إجازة إلحاق مدة الندبة على الوصف فمدفوع عند الجماعة ، وعلى كل حال فإنه إنما أجازه يونس من حيث كانت الصفة مع الموصوف كالجزء الواحد ، فإذا وليت مدة الندبة صفة المندوب فكأنها قد باشرت المندوب نفسه ، وليست كذلك علامة الإنكار ، لأنها في تقدير الانفصال ولفظه جميعا ، ويؤكد ذلك عندك من حالها أيضا ما حكاه سيبويه ، ألا تراه قال : «وسمعنا رجلا من أهل البادية وقيل له : أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال : أأنا إنيه» أفلا ترى أنه الحق علامة الإنكار غير كلام السائل ، وأولاها كلامه هو ، قال أبو العباس : أخرجه على المعنى دون كلام المستفهم.
فهذا من مذهبهم يدلك على أن مدة الإنكار قد يباشرها غير الكلام الأول المنكر ، وليست كذلك مدة الندبة ، لأنها لا تنفصل من المندوب على حال.
وشيء آخر يزيد عندك الحال وضوحا أنك إذا قلت في الإنكار : أزيدا يا فتى ، أو : أمحمد يا جعفر ، أو : أبسعيد يا هذا ، فوصلت كلامك سقطت علامة الإنكار ، وليست كذلك مدة الندبة ، لأنها ثابتة في الوصل والوقف جميعا ، تقول : وازيداه ، ووازيدا وعمراه ، فهذا يدلك على أنها أوكد عندهم من مدة الإنكار ، فعلى هذا اهتموا بها ، وراعوا حكمها ، فلم يجمعوها مع التنوين كما جمعوا مدة الإنكار معه ، فاعرف ذلك ، فإنه واضح إن شاء الله.
__________________
(١) الكتاب (١ / ٣٢٣).
(٢) الكتاب (١ / ٣٢٣).