قولهم لحمر في الأحمر ، ولبيض في الأبيض ، ألا ترى أنهم اعتدوا بحركة الهمزة المحذوفة لمّا ألقوها على لام المعرفة ، فأجروا ما ليس بلازم مجرى اللازم. ونحو من ذلك قوله : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (الكهف : ٣٨) (١) وأصلها لكن أنا ، فلما حذفت الهمزة للتخفيف ، وألقيت فتحتها على نون لكن ، صار التقدير : لكننا ، فلما اجتمع حرفان مثلان متحركان كره ذلك كما كره شدد وحلل ، فأسكنوا النون الأولى ، وأدغموه في الثانية ، فصارت لكنّا ، كما أسكنوا الحرف الأول من شدد وحلل ، وأدغموه في الثاني ، فقالوا شدّ وحلّ ، أفلا ترى أنهم أجروا المنفصل ، وهو «لكن أنا» مجرى المتصل في نحو شدّ وحلّ ، ولم يقرأ أحد «لكننا» مظهرا ، فهل ذلك إلا لاعتدادهم بالحركة وإن كانت غير لازمة.
وعلى هذا أيضا قوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (البقرة : ٢١٤) (٢) و (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (القلم : ٤٠) (٣) ونحو ذلك ، وأصله اسأل ، فلما خفّفت الهمزة ، فحذفت ، وألقيت فتحتها على السين قبلها ، اعتدّ بها ، فحذفت همزة الوصل قبلها لتحرك الحرف بعدها. ونظائر هذا كثيرة.
ومنها قولهم في تخفيف رؤيا : ريّا (٤) ، وأصلها رويا ، إلا أنهم أجروا الواو في رويا وإن كانت بدلا من الهمزة مجرى الواو اللازمة ، فأبدلوها ياء ، وأدغموها في الياء بعدها ، فقالوا ريّا ، كما قالوا : طويت طيّا ، وشويت شيّا ، وأصلها طويا وشويا ، ثم أبدلوا الواو ياء ، وأدغموها في الياء ، فصارت طيّا وشيّا. فعلى هذا قالوا ريّا. ومن اعتدّ بالهمزة المنوية ، وراعى حكمها ـ وهو الأكثر والأقيس ـ لم يدغم ، فقال : رويا. ومنه نوي في تخفيف نؤي. وغرضنا في هذا إنما هو ريّا.
فهذا كله وغيره مما يطول ذكره يشهد بإجرائهم غير اللازم مجرى اللازم.
__________________
(١) الشاهد فيها قوله تعالى (لكِنَّا) والتقدير (لكن أنا).
(٢) الشاهد فيها قوله تعالى (سَلْ) والتقدير : اسأل ، وحذفت الهمزة عند تخفيفها وألقيت فتحتها على السين قبلها.
(٣) الشاهد في قوله تعالى (سَلْهُمْ) والتقدير : اسأل.
(٤) ريّا : أصلها رؤيا ، وخففت الهمزة فحذفت ، وأبدلوا الواو ياء وأدغموها فأصبحت من رؤيا إلى ريّا.