ولكن الميم والراء لمّا كانتا ساكنتين ، والهمزتان بعدهما مفتوحتان ، صارت الفتحتان اللتان في الهمزتين كأنهما في الراء والميم ، وصارت الراء والميم كأنهما مفتوحتان ، وصارت الهمزتان لمّا قدّرت حركتاهما في غيرهما ، كأنهما ساكنتان ، فصار التقدير فيهما : مرأة وكمأة ، ثم خفّفتا ، فأبدلت الهمزتان ألفين ، لسكونهما وانفتاح ما قبلهما ، فقالوا : مراة وكماة ، كما قالوا في فأس ورأس لمّا خفّفتا : فاس ، وراس.
وعلى هذا حمل أبو عليّ قول عبد يغوث (١) :
وتضحك مني شيخة عبشميّة |
|
كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا (٢) |
قال : جاء به على أن تقديره محققا : «كأن لم ترأ» ، ثم إن الراء لما جاورت وهي ساكنة ، الهمزة متحركة ، صارت الحركة كأنها في التقدير قبل الهمزة ، واللفظ بها كأن لم ترأ ، ثم أبدل الهمزة ألفا ، لسكونها وانفتاح ما قبلها ، فصارت ترا ، فالألف على هذا التقدير بدل من الهمزة التي هي عين الفعل ، واللام محذوفة للجزم ، على مذهب التحقيق وقول من قال : رأى يرأى ، قال سراقة البارقيّ :
أري عينيّ ما لم ترأياه |
|
كلانا عالم بالتّرّهات (٣) |
__________________
(١) عبد يغوث : شاعر يمني أسره أعداؤه فأرادوا قتله فطلب منهم أن يكرموه قبل موته فأطعموه حتى ثمل ثم قطعوا وريده فمات.
(٢) عبشمية : نسبة إلى عبد شمس. يقول : ضحكت مني عجوز من بني عبد شمس وكأنها لم ترا أسيرا قبلي. والشاهد في قوله : «ترا» فأصلها كما يرى المؤلف «ترأ» فالراء ساكنة وجاورت الهمزة المتحركة فتحركت الراء بالفتح فقلبت لذلك الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها. إعراب الشاهد : «ترا» : فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة.
(٣) الترهات : الأباطيل والواحد ترهة. مادة (ت ر ه) اللسان (١ / ٤٣١). البيت من قصيدة قالها الشاعر للمختار بن أبي عبيد الثقفي ، حينما وقع في أسر أعوانه فزعم له لما أمر بقتله أنه رأى الملائكة على خيل بلق يقاتلون في صفوفه وأنهم الذين أسروه ، وهي حيلة تخلص بها من القتل. والشاهد في قوله : «ترأياه» فقد حقق الشاعر الهمزة في كلامه. ـ إعراب الشاهد : «ترأياه» فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة. والهاء : ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.