من أيّ يوميّ من الموت أفرّ |
|
أيوم لم يقدر أم يوم قدر (١) |
فذهبوا فيه إلى أنه أراد النون الخفيفة (٢) ، ثم حذفها ضرورة ، فبقيت الراء مفتوحة ، كأنه أراد يقدرن. وأنكر بعض أصحابنا (٣) هذا ، وقال : هذه النون لا تحذف إلا لسكون ما بعدها ، ولا سكون هاهنا بعدها (٤).
والذي أراه أنا في هذا ـ وما علمت أحدا من أصحابنا ولا غيرهم ذكره ، ويشبه أن يكونوا لم يذكروه للطفه (٥) ـ هو أن أصله «أيوم لم يقدر أم يوم قدر» ، بسكون الراء للجزم. ثم إنها جاورت الهمزة المفتوحة ، والراء ساكنة وقد أجرت العرب الحرف الساكن ، إذا جاور الحرف المتحرّك ، مجرى المتحرّك ، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه : المراة والكماة ، يريدون : المرأة ، والكمأة (٦).
__________________
«قوله : فأما قول الراجز» : فإنه أورد هذا الفصل إيرادا سيئا ، لأنك تستمر فيه إلى أواخر الفصل ، ولا تدري ما الذي أوجب ذكره هنا ، ولا وجه ملاءمته. وكان الصواب أن يقال : ومما ينسلك عندنا في هذا السلك ، أعني باب إبدال الهمزة والألف ، قول الراجز ... إلخ ، وذلك لأن مقتضى الظاهر أن هذه الراء لا تتحرك ، فأجاب أصحابنا عنه بكذا وكذا ، ويستمر إلى آخر كلامهم. ثم يقول : «وعندنا فيه وجه لطيف ... إلخ». ومن كلام ابن هشام يتضح أن المؤلف كان عليه أن يبين أن هذا الشاهد داخل في باب إبدال الهمزة والألف ، وإذ قد تقدم في كلامه إبدال الألف همزة ، فيكون هذا من باب إبدال الهمزة ألفا ، وهو عكس الأول ، وبهذه تظهر المناسبة.
(١) أورد البيت صاحب الخزانة (٤ / ٥٨٩) ، والشاهد فيه عند البصريين ـ غير ابن جني ـ فتح الراء بسبب نون التوكيد الخفيفة المحذوفة ضرورة. قال أبو زيد في النوادر (ص ١٣) : فتح راء يقدر ، يريد النون الخفيفة ، فحذفها وبقي ما قبلها مفتوحا ، أنشدناه أبو عبيدة والأصمعي. إعراب الشاهد : يقدر : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المحذوفة تخفيفا.
(٢) النون الخفيفة : يقصد نون التوكيد الخفيفة ونون التوكيد نوعين ثقيلة وخفيفة.
(٣) أصحابنا : يقصد بهم البصريين.
(٤) الظاهر أن أصحاب هذا الرأي يرون أن النون في مثل هذا حذفت تخفيفا لا ضرورة.
(٥) للطفه : يريد لدقته وعدم ظهوره. مادة (لطف). اللسان (٥ / ٤٠٣٦).
(٦) الكمأة : جمع الكمء وهو فطر من الفصيلة الكمئية ، وهي أرضية تنتفخ حاملات أبواغها ، فتجنى وتؤكل مطبوخة ويختلف حجمها بحسب الأنواع. مادة «كمأ». اللسان (٥ / ٣٩٢٦).