فإن قال قائل : فهل يجوز أن تكون الكاف في قوله «مثل كعصف» مجرورة بإضافة مثل إليها ، ويكون «العصف» مجرورا بالكاف ، فتكون على هذا قد أضفت كلّ واحد من مثل ومن الكاف ، فيزول عنك الاعتذار لتركهم مثلا غير مضافة ، على ما قدمت ، ويكون جرّ الكاف بإضافة مثل إليها ، كجرّها بدخول الكاف على الكاف في قوله «ككما يؤثفين» ، فكما أن الكاف الثانية هنا مجرورة بالأولى ، كما انجرت بعلى في قول الآخر :
على كالقطا الجونيّ أفزعه الزّجر (١)
فكذلك هلّا قلت : إن الكاف في مثل «كعصف» مجرورة بإضافة مثل إليها؟
فالجواب : أن قوله «مثل كعصف» قد ثبت أن مثلا أو الكاف فيه زائدة ، كما أنّ إحداهما زائدة في قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) ، وإذا ثبت ذلك ، فلا يجوز أن تكون مثل هي الزائدة ، لأنها اسم ، والأسماء لا تزاد ، وإنما تزاد الحروف ، فإذا لم يجز أن تكون مثل هذه الزائدة ، ولم يكن بدّ من زائد ، ثبت أن الكاف هي الزائدة.
وإذا كانت هي الزائدة ، فلا بد من أن تكون كما قدمنا حرفا ، وإذا كانت حرفا ، بطل أن تكون مجرورة ، من حيث كانت الحروف لا إعراب في شيء منها ، وإذا لم تكن مجرورة بطل أن تكون «مثل» مضافة إليها كما سامنا السائل.
على أن أبا عليّ قد كان أجاز أن تكون «مثل» مضافة إلى الكاف ، وتكون الكاف هنا اسما.
وفيه عندي ضعف ، لما ذكرته.
فأما قول الآخر «ككما يؤثفين» فقد استدللنا بدخول الكاف الأولى على الثانية ، أن الثانية اسم ، وأن الأولى حرف قد جرّ الثانية ، وهو مع ذلك زائد ، ولا ينكر ، وإن كان زائدا ، أن يكون جارا ، لما قدمناه من قولهم : ما جاءني من أحد ، ولست بقائم.
__________________
(١) سبق الحديث عن هذا الشاهد.
(٢) مر الكلام على الآية.