فالجواب أن ذلك جائز في الأسماء من وجهين :
أحدهما : أن الأسماء أقوى وأعمّ تصرّفا من الحروف ، وهي الأول الأصول. فغير منكر أن يتجوّز فيها ما لا يتجوّز في الحروف ، ألا ترى أن التاء في ربّت وثمّت علامة تأنيث ، كما أن التاء في مسلمة وعاقلة علامة تأنيث؟ وقد أبدلوا تاء التأنيث في الاسم هاء في الوقف ، فقالوا مسلمه ، وعاقله ، ولم يبدلوا التاء في ربّت وثمّت ولات ولعلّت في وقف ولا وصل ، لأنه ليس للحرف قوّة الاسم وتصرّفه ، والفعل أيضا في هذا جار مجرى الحرف.
ألا ترى أن التاء في قامت وقعدت ثابتة غير مبدلة في وصل ولا وقف؟ فهذا أحد الوجهين.
والوجه الآخر : أن الأسماء ليست في أول وضعها مبنية على أن تضاف ويجرّ بها ، وإنما الإضافة فيها ثان لا أوّل ، فجاز فيها أن تعرى (١) في اللفظ من الإضافة ، وإن كانت الإضافة فيها منويّة (٢). وأما حروف الجرّ فوضعت على أنها للجرّ البتة ، وعلى أنها لا تفارق المجرور لضعفها وقلة استغنائها عن المجرور ، فلم يمكن تعليقها عن الجر والإضافة ، لئلا يبطل الغرض الذي جيء بها من أجله ، فهذا أمر ظاهر واضح.
فإن قال قائل : فمن أين جاز للاسم أن يدخل على الحرف في قوله «مثل كعصف».
فالجواب أنه إنما جاز ذلك ، لما بين الكاف ومثل من المضارعة في المعنى ، فلما جاز لهم أن يدخلوا الكاف على الكاف في قوله :
وصاليات ككما يؤثفين (٣)
لمشابهته لمثل ، حتى كأنه قال : كمثل ما يؤثفين ، كذلك أدخلوا أيضا مثلا على الكاف في قوله : «مثل كعصف» ، وجعلوا ذلك تنبيها على قوة الشبه بين الكاف ومثل.
__________________
(١) تعرى : يقصد تخلو. مادة (ع ر ى). اللسان (٤ / ٢٩٢٠).
(٢) منوية : مقصودة. مادة (ن وى). اللسان (٦ / ٤٥٨٩).
(٣) تم الحديث عن هذا الشاهد.