فإن قيل : فإذا كان أصلها «عويا» ، فقد اجتمعت الواو والياء ، وسبقت الأولى بالسكون ، وهذه حال توجب قلب الواو ياء ، وليست تقتضي قلب الياء واوا.
ألا تراهم قالوا : طويت طيّا ، وشويت شيّا ، وأصلهما طويا وشويا ، فقلبت الواو ياء ، فهلا إذ كان كذلك قلبوها كما في نحو : طويت طيّا ، وشويت شيّا ، فقالوا عيّا.
فالجواب : أنهم إنما قلبوا ياء «عويا» واوا ، لعلة مشروحة عند أصحاب التصريف ، وذلك أن فعلى إذا كانت اسما لا وصفا ، وكانت لامها ياء قلبت ياؤها واوا ، وذلك نحو التّقوى ، أصلها وقيا ، لأنها فعلى من وقيت ، والثّنوى (١) ، وهي فعلى من ثنيت ، والبقوى (٢) وهي فعلى من بقيت ، والرّعوى ، وهي فعلى من رعيت ، فكذلك أيضا العويا ، فعلى من عويت ، وهي مع ذلك اسم لا صفة ، بمنزلة التّقوى والبقوى والفتوى ، فقلبت الياء التي هي لام واوا ، وقبلها العين التي هي واو ، فالتقت واوان ، الأولى ساكنة ، فأدغمت (٣) في الآخرة ، فصارت «عوّى» كما ترى.
ولو كانت فعلى صفة لما قلبت ياؤها واوا ، ولبقيت بحالها ، نحو الخزيا (٤) والصّديا (٥) ، ولو كانت قبل هذه الياء واو لقلبت الواو ياء ، كما يجب في الواو والياء إذا التقتا وسكن الأول منهما ، وذلك نحو قولهم امرأة طيّا وريّا (٦) ، وأصلهما طويا ورويا ، لأنهما من طويت ورويت ، قلبت الواو منهما ياء ، وأدغمت في الياء بعدها ، فصارت طيّا وريّا. ولو كانت ريّا اسما ، لوجب أن يقال فيها روّى ، وحالها كحال العوّى.
فإن قيل : فلم قلبت العرب لام فعلى ـ إذا كانت اسما ، وكان لامها ياء ـ واوا ، حتى قالوا : العوّى والتّقوى والبقوى؟.
__________________
(١) الثنوى : اسم بمعنى الاستثناء من الشيء.
(٢) البقوى : اسم بمعنى الإبقاء على الشيء.
(٣) الإدغام : إدخال حرف في حرف آخر. مادة (دغم). اللسان (٢ / ١٣٩١).
(٤) الخزيا : مؤنث خزيان ، وهو المستحي. مادة (خ ز ا). اللسان (٢ / ١١٥٥).
(٥) الصديا : مؤنث صديان ، وهو العطشان. مادة (صدى). اللسان (٤ / ٢٤٢١).
(٦) الرّيّا : الرّيح الطيبة. مادة (روى). اللسان (٣ / ١٧٨٧).