فالجواب : أنهم إنما فعلوا ذلك في فعلى ، لأنهم قد قلبوا لام «الفعلى» ـ إذا كانت اسما وكانت لامها واوا ـ ياء ، طلبا للخفّة ، وذلك نحو الدّنيا والعليا والقصيا ، وهي من دنوت ، وعلوت وقصوت (١) ، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره ، مما يطول تعداده ، عوّضوا الواو من غلبة الياء عليها في أكثر المواضع ، بأن قلبوها في نحو البقوى والثّنوى واوا ، ليكون ذلك ضربا من التّعويض والتكافؤ بينهما ، فاعرفه ، فإن أصحابنا (٢) استظرفوا هذا الفصل من التصريف ، وعجبوا منه ، ثم إنه قد حكي عنهم «العوّاء» بالمدّ ، في هذا المنزل.
والقول عندي في ذلك : أنه زاد للمدّ ألفا قبل ألف التأنيث ، التي في العوّى ، فصار التقدير «العوّا» بألفين ، كما ترى ساكنتين ، فقلبت الآخرة التي هي علم التأنيث همزة ، لمّا تحركت لالتقاء الساكنين ، والقول فيها : القول في حمراء وصحراء وصلفاء وخبراء.
فإن قيل : فلمّا نقلت من فعلى إلى فعلاء ، فزال القصر عنها ، هلّا ردّت إلى القياس ، فقلبت الواو ياء ، لزوال وزن فعلى المقصورة كما يقال : رجل ألوى وامرأة ليّاء (٣)؟ فهلا قالوا على هذا العيّاء؟.
فالجواب أنهم لم يبنوا الكلمة على أنها ممدودة البتة. ولو أرادوا ذلك لقالوا العيّاء ، وأصلها العوياء ، كما قالوا امرأة ليّاء ، وأصلها لوياء. ولكنهم إنما أرادوا القصر الذي في العوّى ، ثم إنهم اضطرّوا إلى المدّ في بعض المواضع ضرورة ، فبقّوا الكلمة بحالها الأولى ، من قلب الياء التي هي لام واوا ، وكان تركهم القلب بحاله أدلّ شيء على أنهم لم يعتزموا المدّ البتّة ، وأنهم إنما اضطّروا إليه ، فركبوه وهم بالقصر معنيّون ، وله ناوون.
فهذه جملة من القول على همزة التأنيث ، وصحة الدلالة على كونها منقلبة عن الألف ، فاعرفه ، فقلما أفصح أصحابنا هذا الإفصاح عنه.
__________________
(١) قصوت : بعدت. مادة (ق ص ا). اللسان (٥ / ٣٦٥٧).
(٢) أصحابنا : يقصد البصريين.
(٣) الليّاء : معوجة الظهر. مادة «لوي». اللسان (٥ / ٤١٠٩).