يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة ؛ ألا ترى أن مائة للكثرة ، وألفا أيضا كذلك ، وعشرة آلاف أيضا كذلك ، ثم على هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة ، وبيوتات مائة ألف ؛ وكأن عقبانا خمسون ، وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم (تبق وراءه مضطربا) فهذا قول.
وجواب ثان : أنك إنما تكسّر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجيء كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفى طريقها ، فلمّا جاءت هذا المجيء جرت مجرى الآحاد ، فجاز تكسيرها ؛ كما يجوز تكسيرها ؛ ألا ترى أنّ لذلك ما جاز صرفها ، وترك الاعتداد بمعنى الجمعيّة فيها ، لمّا جاءت مجىء الآحاد ؛ فصرف كلاب ؛ لشبهه بكتاب ، وصرف بيوت ؛ لشبهه (بأتىّ وسدوس) (١) ومرور ؛ وصرف عقبان ؛ لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان ؛ لأنه على مثال قرطان (٢). وصرف أكلب ؛ لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرزّ (وأسنمة) (٣) ولأنه أيضا لما كان لجمع القلّة أشبه فى المعنى الواحد ؛ لأن محلّ مثال القلّة من مثال الكثرة فى المعنى محلّ الواحد من الجمع ، فكما كسّروا الواحد ، كذلك كسّروا ما قاربه من الجمع. وفى هذا كاف.
فإن قلت : فهلا ثنّيت التثنية ؛ كما جمعت الجمع؟ قيل : قد كفتنا العرب بقولهم : أربعة (عن قولهم) اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا فى (اثنانان) ونحوه بين إعرابين ، متفقين كانا أو مختلفين ؛ وليس شيء من ذلك فى نحو أكلب وأكالب.
ومن ذلك ما قال أصحابنا : إن وصف العلم جار مجرى نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : قال الحسن فى هذه المسألة كذا ، فقد استغنيت (بقولك : الحسن) عن قولك : الرجل الفقيه القاضى العالم الزاهد البصرىّ الذى كان من حاله كذا ، ومن أمره كذا ، فلمّا قلت : الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم فلأنه كثر المسمّون
__________________
(١) الأتىّ ـ بضم الهمزة ـ من مصادر أتى ، وهو أيضا النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. اللسان (أتى). والسدوس : الطيلسان.
(٢) قرطان : ما يلقى تحت السرج.
(٣) أسنمة : موضع.