باب فى التراجع عند التناهى
هذا معنى مطروق فى غير صناعة الإعراب ؛ كما أنه مطروق فيها. وإذا تشاهدت حالاهما كان أقوى لها ، وأذهب فى الأنس بها.
فمن ذلك قولهم : إن الإنسان إذا تناهى فى الضحك بكى ، وإذا تناهى فى الغمّ ضحك ، وإذا تناهى فى العظة أهمل ، وإذا تناهت العداوة استحالت مودّة. وقد قال :
* وكلّ شيء بلغ الحدّ انتهى*
وأبلغ من هذا قول شاعرنا :
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا |
|
للمنتهى ، ومن السرور بكاء |
والطريق فى هذا ونحوه معروفة مسلوكة.
وأمّا طريق صناعة الإعراب فى مثله ؛ فقول أبى إسحاق فى ذكر العلّة التى امتنع لها أن يقولوا : ما زال زيد إلا قائما : (نفى و) نفى النفى إيجاب. وعلى نحو هذا ينبغى أن يكون قولهم : ظلمة ، وظلم ، وسدرة ، وسدر ، وقصعة ، وقصاع ، (وشفرة وشفار). وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثا ؛ نحو قولهم : هذا جمل ، وهذه جمال ، وهذا رجل ، وهذه رجال قد أقبلت. وكذلك بكر وبكارة ، وعير وعيورة ، وجريب وأجربة (١) ، وصبىّ وصبية ، ونحو ذلك. فلمّا كانت ظلمة ، وسدرة ، وقصعة ، مؤنّثات ـ كما ترى ـ وأردت أن تكسّرها ، صرت كأنك أردت تأنيث المؤنّث : فاستحال بك الأمر إلى التذكير ، فقلت ظلم ، وسدر ، وقصاع ، وشفار. فتراجعت للإيغال فى التأنيث إلى لفظ التذكير. فعلى هذا النحو لو دعا داع ، أو حمل حامل على (تأنيث نحو) قائمة ومسلمة لكان طريقه ـ على ما أرينا ـ أن نعيده إلى التذكير ، فنقول : قائم ، ومسلم. هذا لو سوّغ مسوّغ تأنيث نحو
__________________
(١) الجريب من الطعام والأرض : مقدار معلوم الذّراع والمساحة ، والجريب : الوادى. وانظر اللسان (جرب).