باب فى نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها
من ذلك لفظ الاستفهام ، إذا ضامّه معنى التعجّب استحال خبرا. وذلك قولك : مررت برجل أىّ رجل. فأنت الآن مخبر بتناهى الرجل فى الفضل ، ولست مستفهما. وكذلك مررت برجل أيّما رجل ؛ لأن ما زائدة. وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر ، والتعجّب ضرب من الخبر. فكأن التعجّب لمّا طرأ على الاستفهام إنما أعاده إلى أصله : من الخبريّة.
ومن ذلك لفظ الواجب ، إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيا ، وإذا لحقت لفظ النفى عاد إيجابا. وذلك كقول الله سبحانه : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] أى ما قلت لهم ، وقوله : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) [يونس : ٥٩] أى لم يأذن لكم. وأما دخولها على النفى فكقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] أى أنا كذلك ، وقول جرير :
* ألستم خير من ركب المطايا (١) *
أى أنتم كذلك. وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشىء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضدّه ، فلذلك استحال به الإيجاب نفيا ، والنفى إيجابا.
ومن ذلك أن تصف العلم ، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أخرجته به عن حقيقة ما وضع له ، (فأدخلته) معنى لو لا الصفة لم تدخله إياه. وذلك أنّ وضع العلم أن يكون (مستغنيا بلفظه) عن عدّة من الصفات ، فإذا أنت وصفته فقد سلبته (الصفة له ما كان) فى أصل وضعه مرادا فيه : من الاستغناء بلفظه عن كثير من صفاته.
وقد ذكرنا هذا الموضع فيما مضى. فتأمّل هذه الطريق ، حتى إذا ورد شيء منها عرفت مذهبه.
__________________
(١) صدر بيت من الوافر ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٨٥ ، ٨٩ ، والجنى الدانى ص ٣٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٢ ، ولسان العرب (نقص) ، ومغنى اللبيب ١ / ١٧ ، ورصف المبانى ص ٤٦ ، وشرح المفصل ٨ / ١٢٣ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٢ ، وعجزه :
* وأندى العالمين بطون راح*