وأما فعل فدون فعل أيضا. وذلك أنه كثيرا ما يعدل عن أصول كلامهم ؛ نحو عمر ، وزفر ، وجشم ، وقثم ، وثعل ، وزحل. فلما كان كذلك لم يتمكّن عندهم تمكّن فعل الذى ليس معدولا. ويدلّك على انحراف فعل عن بقية الأمثلة الثلاثية غير ذوات الزيادة انحرافهم بتكسيره عن جمهور تكاسيرها. وذلك نحو جعل وجعلان ، وصرد وصردان ، ونغر ونغران (وسلك وسلكان) (١) فاطّراد هذا فى فعل مع عزّته فى غيرها ، يدلّك على أن له فيه خاصية انفرد بها ، وعدل عن نظائره إليها. نعم ، وقد ذهب أبو العباس إلى أنه (كأنه منقوص) من فعال. واستدل على ذلك باستمراره على فعلان ؛ قال : فجرذان وصردان فى بابه كغراب وغربان ، وعقاب وعقبان. وإذا كان كذلك ففيه تقوية لما نحن عليه ؛ ألا ترى أن فعالا أيضا مثال قد يؤلف العدل ؛ نحو أحاد ، وثناء ، وثلاث ، ورباع. وكذلك إلى عشار ؛ قال:
ولم يستريثوك حتى علو |
|
ت فوق الرجال خصالا عشارا (٢) |
ومما يسأل عنه من هذا الباب كثرة الواو فاء ، وقلّة الياء هناك. وذلك نحو وعد ، ووزن ، وورد ، ووقع ، ووضع ، ووفد ، على قلّة باب يمن ويسر.
وذلك أن سبب كثرة الواو هناك أنك قادر متى انضمّت أو انكسرت أن تقلبها همزة. وذلك نحو أعد وأجوه وأرقة وأصلة وإسادة وإفادة. وإذا تغيّر الحرف الثقيل فكان تارة كذا ، وأخرى كذا ، كان أمثل من أن يلزم محجّة واحدة. والياء (إذا وقعت أوّلا و) انضمّت أو انكسرت لم تقلب همزة ولا غيرها.
فإن قلت فقد قالوا : باهلة بن أعصر ويعصر ، وقالوا :
* طاف والركب بصحراء يسر (٣) *
__________________
(١) السّلك : فرخ القطا ، وقيل فرخ الحجل. والجمع سلكان.
(٢) البيت من المتقارب ، وهو للكميت فى ديوانه ١ / ١٩١ ، وأدب الكاتب ص ٥٦٧ ، وخزانة الأدب ١ / ١٧٠ ، ١٧١ ، والدرر ١ / ٩١ ، ولسان العرب (عشر) ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ١ / ٢٦. ويروى : (وميت) مكان (علوت). الاستراثة : الاستبطاء. واستراثه : استبطأه.
(٣) عجز البيت من الرمل ، وهو لطرفة فى ديوانه ص ٥٠ ، ولسان العرب (يسر) ، والتنبيه ـ ـ