على إنكاره إياه. ولهذا نظائر. ويحكى أن قوما ترافعوا إلى الشعبىّ فى رجل بخص عين رجل فشرقت بالدم ، فأفتى فى ذلك بأن أنشد بيت الراعى :
لها أمرها حتى إذا ما تبوّأت |
|
بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا (١) |
لم يزدهم على هذا. وتفسيره أن هذه العين ينتظر بها أن يستقرّ أمرها على صورة معروفة محصّلة ، ثم حينئذ يحكم فى بابها بما توجبه الحال من أمرها.
فانصرف القوم بالفتوى ، وهم عارفون بغرضه فيها.
(وأمّا) أتباع العلماء العرب فى هذا النحو فكقول سيبويه : «ومن العرب من يقول : لبّ فيجرّه كجرّ أمس وغاق» ؛ ألا ترى أنه ليس فى واحد من الثلاثة جرّ ؛ إذ الجرّ إعراب لا بناء ، وهذه الكلم كلها مبنيّة (لا معربة) فاستعمل لفظ الجرّ على معنى الكسر ، كما يقولون فى المنادى المفرد المضموم : إنه مرفوع ، وكما يعبرون بالفتح عن النصب ، وبالنصب عن الفتح ، وبالجزم عن الوقف (وبالوقف عن الجزم) كلّ ذلك لأنه أمر قد عرف غرضه والمعنى المعنىّ به.
وإذا جاز أن يكون فى أصول هذه اللغة المقرّرة اختلاف اللفظين والمعنى واحد كان جميع ما نحن فيه جائزا سائغا ، ومأنوسا به متقبلا.
* * *
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص ١٦٤ ، والاشتقاق ص ٢٩٥ ، وأمالى القالى ٢ / ١٤٠ ، والمزهر ٢ / ٤٤٢ ، وأمالى المرتضى ١ / ٣٢٢ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٣١ ، وتاج العروس (شرق) ، ولسان العرب (شرق).